لا شك في أن حضور الأم في كان ثابتًا واساسيًا في الميراث الأدبي والثقافي والفني للمجتمعات العربية، فمن النادر ألا يحضر ذكرها في مختلف المواقف التي قد يواجهها أو يؤرخها أي إنسان، سواء في لحظات الفخر أو الحب أو الرثاء أو محاولات الطمأنة، أو غير ذلك. تظهر الأم بكثافة في الرصيد الموسيقي بمختلف جُنراته، وفي هذا العام، وبمناسبة عيد الأم، قررنا تتبع بعض الأغاني الغير تقليدية التي استعادت سيرة الأم وربطتها بمواضيعها في جُنرات غير كلاسيكية مثل الهيب هوب والراي.
رشيد طه - المنفي
تعد الأغنية التي قدمها وغناها رشيد طه من مؤلفات أحد أسرى ثورة المقراني الذين تم نفيهم إلى جزيرة كاليدونيا في العام 1871. ووسط قسوة المعتقل والعمل، ومجريات أحداث الإاتقال والتفتيش، ومعاملة حراس السجن القاسية، والغربة التي تشعر بالحنين للهوية، يأتي ذكر الأم بالتطمين. كالصلة والرابط الذي يثق الراوي في إخلاصه وحسرته عليه، داعيًا إياها أن تكف عن البكاء من أجله، وأن تتحلى بالصبر، فالله لن يترك ولدها.
بو كلثوم - قوم وصلنا
خصص بوكلثوم تراك "ممنون"، ليكون مرثية كاملة يستذكر فيها والدته. لا يمكن للمستمع ألا يتاثر عميقًا بها، خاصة بإقتباسه لجمل وضعها على لسان الأم مثل " لليوم اللي يكفنوني/ بموت وبعيش لعينك / نام وادبحلك عداك / باقي بصردي بيتك "، مختتمًا بعبارة "أثر الفراشة لا يرى". كما يستدعي الأم كذلك في تراك "قوم وصلنا" ضمن لوحة ترسم في حلم دافئ رحلة لاجىء يشتاق للوطن، تصحبه الأم لزيارة منزلهم الذي هُجر، وهي أيضًا من تكسر هذا الحلم لتنبهه إلى ضرورة الرحيل وبذلك تصبح الأم هي بطلة السردية المحركة لهذا اللاجئ الغاضب المرتبك.
شاب حسني - ياما / لميمة دهشت وبكت
في "ياما"، ومع الضيق ومعاناة المرض، لا يجد البطل بدًا من تمني الموت، ولكن ما يؤلمه أكثر من المرض هو اليُتم المبكر، وخاصة فقدان الأم. كما لا يمكن أن يكون هناك مقال عن الأم دون أن نستذكر الأغنية الشهيرة التي تبعت شائعات تعرض الشاب حسني للاغتيال "لميمة دهشت وبكت" والتي عبر فيها عن شديد حزنه واستيائه وإحساسه بالخذلان من تصديق سكان الجزائر للشائعة وسرعة انتشارها، خاصة جمهوره. ليلخص كل ذلك في تصويره الذكي بأنهم بهذا أقلقوا والدته، وجعلوها تبكي، تصور حدوث الإيذاء في تلك الصورة الرقيقة، والتي لا يهمه فيها هو بل أمه.
ويجز - ساليني
في خليط بين العلاقات والمسار الإجتماعي والمهني، والذي يظهر فيه ويجز في بداياته الموسيقية بسردية المرتبك السائر في طريقه رغم الطريق الضبابي والرؤية المشوشة، ومع التطرق للحبيبة التي تعطي إشارات متناقضة، والمهنة التي لا تظهر لها ملامح. يبرز بار "آسف يا أما مسلكتش في التعليم... بس راجل عمري ما جليت زميل". يضع هذا السطر الأم في مساحة بارزة من الفيرس، كمساحة أمان يلجأ لها لتذكير نفسه بأنه رغم فشله في تأمين بديل مستند على شهادة جامعية وخبرة عن طريقها، إلا أنه لا زال قادرًا على تحدي مصاعب الحياة، محافظًا على قيمه، والتي تمثل بالنسبة للوالدين وخاصة الأم ضمانة أمان الطريق السليم.
قادر جابونايس وديدين كانون ١٦ وفوفا تورينو - الوالدة
يرسم الثلاثة مغنين ثلاث لوحات عن دعم الأم الغير مشروط بقصص مختلفة؛ الأولى للأم الوحيدة المربية منذ الطفولة، والثانية للأم التي تحملت دخول ابنها السجن وظلت بجانبه، والثالثة للأم التي قدمت ما لديها كي يسافر الإبن لتحقيق حلمه. أمام كل ذلك يقدم أبطال العمل الوفاء واعدين بتحقيق المستحيل فقط لكي ترضى أمهاتهم.
علي لوكا - متخافيش يما
وسط تفاخره على قدرته على تجاوز المصاعب، متطلعًا لما هو قادم، يضع علي لوكا والدته كمدخل لسرد الانتقال من العسر إلى اليسر بترديده "متخافيش يما ". كما يعود لذكرها مرة أخرى بقوله: "متزعليش يما/ مش هسامح أي حد ضايق"، مشيرًا إلى نزعة الأمهات للسلم وفض النزاعات.
إل جراندي الطوطو - مِغَّير
حظي نجم الراب الحالي إلى غراندي طوطو بطفولة قاسية بعد وفاة والدته وهو في سن العاشرة، ثم شهد بعد ذلك بسنوات الحريق الذي التهم المنزل الذي نشأ فيه. وبين الفقر والفقدان تربى في مدينة شهد فيها الكثير من التفاصيل المأساوية. وسط كل ذلك يجد الطوطو أن أقسى ألم هو ألم فقدانه لأمه، وعدم قدرته على توديعها، وهو يعبر عن ذلك في رسالة مفتوحة لخّص فيها كل مشاعر اشتياقه لها.