يُعتبر عبد الحليم حافظ من أبرز رموز الفن في مصر والعالم العربي، حيث جمع بين موهبتي الغناء والتمثيل ليشكل علامة فارقة في الثقافة العربية. ورغم مرور عقود على وفاته، لا يزال تأثيره حاضرًا إلى يومنا هذا، والدليل على ذلك عودته إلى قائمة 100 فنان هذا الأسبوع في المرتبة 65. هذا الإنجاز يجعله محور فقرة "فنان الأسبوع" في الحلقة العشرين من برنامجنا أسبوع بيلبورد عربية.
من الفقر إلى النجومية
وُلد عبد الحليم في محافظة الشرقية في 21 يونيو/ تموز عام 1929، وكانت طفولته مليئة بالمآسي. فقد والديه في سن مبكرة، مما جعله يتيمًا بالإضافة لمعاناته من الفقر. وقد أصيب بمرض البلهارسيا وهو مرض طفيلي أثر على صحته طوال حياته. رغم هذه التحديات برزت موهبته الموسيقية في سن صغيرة، حيث شجعه شقيقه الأكبر على تطوير مهاراته. وفي عمر الرابعة عشرة، التحق بمعهد الموسيقى العربية بالقاهرة ليبدأ رحلته الفنية.
بدأ عبد الحليم حافظ مسيرته المهنية كمدرس موسيقى ومغني في المسارح الليلية، إلى أن اكتشفه أحد مديري الإذاعة في أوائل الخمسينيات. جاءت شهرته متزامنة مع ثورة 1952، حيث أصبح صوتًا معبرًا عن المرحلة الثورية من خلال تقديم أغنيات وطنية دعمت قائد الثورة والرئيس الراحل جمال عبد الناصر. إلى جانب ذلك، قدم مجموعة من الأغنيات العاطفية التي لامست القلوب، مثل "أهواك" و"بأمر الحب" و "نعم يا حبيبي نعم".
تعاون عبد الحليم مع نخبة من الشعراء والملحنين البارزين مثل مرسي جميل عزيز وبليغ حمدي ومحمد الموجي وموسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، مما أضفى تنوعًا استثنائيًا على مشواره الفني. وهذا التنوع الذي شمل أكثر من 200 أغنية، جعل من أغنياته ملاذً لكل الأذواق، ليجد كل مستمع ما يناسبه في إرث حليم الفني.
صوت الأمة العربية
لم يقتصر تأثير عبد الحليم على مصر فقط، بل امتد إلى مختلف الدول العربية، حيث قدم أغنيات وطنية ملهمة موجهة إلى الدول المجاورة، مما عزز مكانته كرمز عربي محبوب. واستمرت أغانيه في إلهام الأجيال حتى يومنا هذا.
كما وصلت موسيقاه إلى العالمية، إذ استُخدمت إحدى ألحانه الشهيرة "خسارة"، التي لحنها بليغ حمدي، كسامبل في أغنية للرابر العالمي جاي زي عام 2000 مما أدى إلى نزاع قانوني حول حقوق الملكية الفكرية. هذا الحدث أكد استمرار أثر عبد الحليم لعقود بعد رحيله.
فنان شامل ومتجدد
لم يكن عبد الحليم حافظ مجرد مطرب عادي، بل كان فنانًا متعدد المواهب، يجيد العزف على آلات موسيقية عدة أبرزها البيانو والأوبوا والعود. تميز بأسلوبه الفريد الذي يرتكز على الإحساس العاطفي العميق في أدائه، مقدما حفلات حية استثنائية تركت أثرًا عميقا في قلوب الملايين. أما في مجال التمثيل فقد شارك عبد الحليم حافظ في حوالي 16 فيلما خلال مسيرته الفنية من أشهرها "أيام و ليالي" و "موعد غرام" و الوسادة الخالية" و"الخطايا" وكان آخرهم فيلم "أبي فوق الشجرة". وقد تمكن من خلالها من تغيير الصورة النمطية للبطل في السينما، بملامحه البسيطة وجسده النحيل عكس صورة الشاب العادي الذي يشبه غالبية أبناء جيله، مما جعله قريبا من قلوب الجمهور وساهم في تعزيز مكانته كرمز فني متكامل.
إرث خالد
رحل عبد الحليم عن عالمنا وهو في سن السابعة والأربعين في 30 مارس/ آذار عام 1977 بسبب مضاعفات مرض البلهارسيا. كان لوفاته أثر كبير على الشعب المصري، حيث امتلأت شوارع القاهرة بجماهير غفيرة تودعه في جنازة مهيبة. ومع ذلك فإن رحيله لم يكن نهاية مسيرته، بل بداية لاستمرار إرثه العظيم.