الفوازير الرمضانية: من إذاعة ماسبيرو إلى الإستعراضات التلفزيونية

لمع نجم الفوازير الرمضانية في مصر مع فترة السبعينات، ولعب نجوم الاستعراض مثل نيللي وشريهان دورًا كبيرًا في إحيائها وتجديدها حتى صارت عادة رمضانية سنوية
نيللي وشريهان
نيللي وشريهان
Change Font Size 20

بدأت فوازير رمضان على الإذاعة المصرية قبل دخول التلفزيون، فكانت برنامج مسابقات إذاعي مع الراحلة الإعلامية آمال فهمي التي أدخلت الفوازير لأول مرة إلى الإذاعات العربية. كتبها بهاء جاهين وكانت الفوازير عبارة عن أحجيات ومسابقة للتعرف على أصوات الفنانين والمشاهير، إذ يرسل المشاركون أجوبتها عبر البريد إلى مقرّ الإذاعة في ماسبيرو كورنيش النيل بالقاهرة خلال فترة الخمسينيات والستينيات. تطورت الفوازير مع الوقت خاصة مع دخول شعراء بارزين، ساهموا بكتابتها مثل بيرم التونسي الذي استغل بلاغته الأدبية لكتابة الأحجيات بطريقة زجلية، بالإضافة إلى صلاح جاهين الذي استثمر أسلوبه الفلسفي في كتابتها.

مع دخول عصر التلفزيون في النصف الثاني من الستينيات، كان لابد للفوازير أن تدخل مرحلة الصوت والصورة، وخرجت مع فرقة ثلاثي أضواء المسرح المؤلفة من سمير غانم وجورج سيدهم والضيف أحمد من إخراج أحمد سالم، والذين قدّموا مشاهد تمثيلية مزجت بين الدراما والاستعراض والغناء، مع حس فكاهي مسلّي.

ظهرت نيللي في فترة السبعينات مع أول برنامج فوازير لها "صورة وفزورة"، وعرفت هذه الفترة تطورات على صعيد الموسيقى والتصوير، فقد انتقلنا من الأبيض والأسود إلى عصر الصورة الملونة. هنا بدأت الفوازير تتحول إلى عادة سنوية رمضانية، استطاعت نيللي أن تستغل صوتها الخفيف لتقديم شكل فوازير مسلية. وقدمت بعدها سلسلة من الفوازير خلال الثمانينيات من أشهرها "الخاطبة" و"عروستي" والتي شارك بكتابتها الشاعر صلاح جاهين. كما تابع سمير غانم طريق الفوازير وقدم واحدة من أشهر الشخصيات التي طبعت في أذهان المصريين، وهي شخصية فطوطة من كتابة عبدالرحمن شوقي، بينما لحن تتر المقدمة والنهاية سيد مكاوي، واستمر لثلاثة مواسم متتالية من عام 1983.

دخلت شريهان إلى عالم الفوازير عند منتصف الثمانينيات، حينها قدمت "حول العالم" و"ألف ليلة وليلة: عروس البحور" من إخراج فهمي عبد الحميد، وهو أحد أبرز الأسماء في عالم إخراج الفوازير، وقد استفاد من خبرته خاصة وأنه كان من رواد الرسوم المتحركة في مصر. تطورت معه الغرافيكس وأضاف أداء شيريهان الاستعراضي عناصر جديدة على شكل الفزورة، بينما لحن سيد مكاوي أغاني البداية والنهاية، وألف الفوازير الشاعر عبد السلام الأمين. اشتهرت الفوازير في هذه الفترة بالمنطقة العربية، حيث تسمّر العالم أمام الفضائيات ليتابع الأحجيات والحزورات الشعبية المصرية، التي قدمتها كل من شيرين و نيللي وسمير غانم عند نهاية الثمانينيات. خرجت أيضًا تجارب أخرى مع أسماء جديدة، حيث قدم يحيى الفخرانى وهالة فؤاد وصابرين فوازير "المناسبات"، بالإضافة إلى فوازير "الفنون" من بطولة شيرين رضا ومدحت صالح.

افتتحت نيللي فترة التسعينات ببرنامج الفوازير "عالم ورق"، ولكن هذه المرة مع المخرج جمال عبد الحميد بعد رحيل فهمي عبد الحميد، الذي رافق نيللي مع بداية دخولها لعالم الفوازير. كان صوت فوازير نيللي يخرج من أغلب بيوت المصريين بعد وجبة الإفطار، وقدّمت في كل عام مسلسل مختلف مثل "عجايب الدنيا السبع" و"أم العريف" من ألحان حلمي بكر. جاء آخرها عام 1996 في "زي النهاردة" والتي ألف مقدمتها الموسيقية عمار الشريعي، وكتب الأشعار عبدالسلام أمين.

عرفت الفوازير في التسعينات شكل تحقيق الأحلام، من الديكورات إلى الأزياء وتحضير الرقصات والاستعراضات. فقدمت شريهان عام 1994 فوازير "حاجات ومحتاجات"، وشارك بتلحين المقدمة والأغنية النهائية مودي الإمام، بينما كتب كلمات الأشعار والأحجيات سيد حجاب. تميّزت شيريهان إلى جانب أدائها الصوتي المميّز في الغناء، بالحركات الراقصة المتقنة خاصة وأنها درست الرقص منذ صغرها. كان اسم شريهان يلمع على الشاشات مع أزيائها المزركشة اللامعة و أسلوبها الغنائي الغني بالتأثيرات الفكاهية، وقد دخلت بهذه الفوازير إلى قلوب الجميع وحققت نجومية كبيرة.

مع نهاية التسعينات انخفض زخم الفوازير عن الشاشات المصرية، مع ظهور بعض المحاولات التجديدية مثل "فوازير النجوم" مع مدحت صالح وشيرين رضا سنة 1998. وقدمت لوسي "فوازير قيمة وسيما" من تأليف وكتابة سمير الطائر بينما لحن الأغاني حلمي بكر، وحملت حزازير عن الأفلام السينمائية مع بعض التجديد بروح الاستعراضات.

مع بداية الألفية، عادت نيللي بآخر برنامج فوازير، بينما اختفت باقي الأسماء البارزة والمؤسسة لهذا النوع منها لأسباب صحية مثل شيريهان، ومنها لأسباب عملية مثل سمير غانم ولوسي الذي تابعوا مسيرتهم بالتمثيل في المسلسلات الرمضانية. أعادت نيللي في "ألف ليلة وليلة" عام 2000 روح فوازير السبعينات بنوستالجيّة، خاصة وأنها تعاونت مع شاعر الفوازير عبدالسلام الأمين وقد لحن ووزع الموسيقى عمار الشريعي، وتعاونت بالإخراج هذه المرة مع عمرو عابدين.

كل ما جاء بعد هذه الفوازير كانت تجارب ومحاولات متواضعة، منها تجربة نيللي كريم في "علم أو علم" لكنها لم تنل الشهرة المطلوبة. وحاول بعض الممثلين مثل محمد هنيدي أخذ الفوازير إلى مستوى ثاني من التجديد في "مسلسليكو" وركز على المشاهد التمثيلية بينما اختفت الغرافيكس والإضاءات والألوان الجذابة ومعها الاستعراضات.

توقف المنتجون عن تمويل هذه البرامج الإستعراضية أولًا لتكلفتها العالية، وثانيًا لعدم وجود نجوم استعراضيين يضاهون أداء نيللي المتمكن أو أسلوب شيريهان الإبداعي، أو حتى أداء سمير غانم الفكاهي والمرح. لكن بقيت الفوازير محفورة في ذهن جيل كامل، تابعها وتعلم معها الكثير عن الموسيقى والرقصات الشعبية المصرية، واستمع إلى أهم الملحنين والشعراء الذين شاركوا في تقديم فوازير لا تُنسى.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع