موسيقى فيلم روكي: علامة رسخت رياضة الملاكمة في الثقافة الشعبية

نتبع أبرز المقطوعات الموسيقية من سلسة أفلام الملاكمة روكي، ونحاول معرفة سبب هذا التأثير التي تركته في الثقافة الشعبية العالمية.
No Image
Change Font Size 20

بالتزامن مع الإعلان عن انطلاقة موسم الرياض بنسخته الأخيرة، أعلنت هيئة الترفيه بشكل رسمي عن حدثي الملاكمة الأبرز في فئة الوزن الثقيل والوزن الثقيل الخفيف، ونزال توحيد الأحزمة بين بطلي الوزن الثقيل تايسون فيوري وألكاسندر أوزيك، المنتظر إقامته في الثامن عشر من مايو/ أيار. في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 وقف أوزيك وفيوري وجهاً لوجه في أول مواجهة صحفية، وبينهم سيلفستر ستالون، بحضور معالي المستشار تركي آل شيخ، وفي خلفية هذه المواجهة التي توحي بتوتر الأجواء والصدامية أتت موسيقى فيلم روكي "Gonna Fly Now". أعادتنا الموسيقى إلى أجواء الفيلم الذي أصبح أيقونة رياضة الملاكمة ببطله الملاكم روكي بيلبوا، الذي يمثل قصة وحلم صانعه سيلفستر ستالوني التي خرجت إلى النور في عام 1976، لتفتتح سلسلة من  أفلام "روكي" توقفت في العام 1990، قبل أن تعود مرة أخرى في عام 2006 بعودة روكي من الاعتزال ليلعب مباراة أخيرة مع بطل العالم للوزن الثقيل الحالي. منذ انطلاق الفيلم الأول وحتى الآن خرجت مئات الاقتباسات لموسيقى الفيلم  سواء في أفلام أو مسلسلات أخرى مثل "The Sopranos"، أو حتى في حملات انتخابية سياسية، أو في الرياضات المختلفة وبالتحديد الملاكمة والرياضات القتالية المختلطة.

ربما كانت "Gonna fly now" القطعة الموسيقية الأشهر في الفيلم، وقد انطلقت من صوت البيكولو ترومبت مع الكورنيت والبوب، والمعدلين بالباص، وتبنى معهم بالتدريج إيقاع الدرامز مع صوت البينج ذو التردد العالي، والذي يمهد للكورس المُغنى على وزن اسم البطل روكي بيلباو. ألّف هذا المزيج الصوتي الاستثنائي إلى جانب المؤلف الموسيقي بيل كونتي كلاً من كارول كانونز وآين روبينز. يشكّل اجتماع صوت البوق والترومبيت، حالة شبيهة بموسيقى المارشات العسكرية، بالتوازي مع بساطة حالة شخصية روكي الذي يؤسس أسطورته الفردية. يخلق التضاد بين الحالتين تحفيزًا عند سماع المقطوعة، وخاصة مع ارتباطها بركض روكي في الحي الفقير الذي يقطن فيه بفيلادلفيا وسط الأسواق، والبائعين والمارة يحيونه، والأطفال يركضون وراءه متخذينه بطلًا أمريكيًا من المهاجرين الإيطاليين. يعزز معنى اسم روكي والذي يعني المبتدئ أسطورية السردية التي يشهد الجمهور ولادتها.  

في عام 1977 تصدرت المقطوعة قائمة Billboard Hot 100، كما استعملها الرئيس الأمريكي والتر موندال في حملته الانتخابية في 1984، ودونالد ترامب في حملته الإنتخابية عام 2016. كما تعتبر أحد الأغاني البارزة التي يقوم فريق كرة القدم الأمريكية الإيجلز بتشغيلها في استادهم، نظرًا لانتهاء مشهد جري روكي برفع قبضة النصر أمام متحف فيلادلفيا للفنون. للمقطوعة توزيع آخر متأثر بموسيقى شرق آسيا القديمة، حيث يركز على الطبول والترومبيت والبوق، ويأتي في أوقات أخرى في الفيلم بعنوان "Fanfare For Rocky". كما أن لها توزيعًا آخر بالبيانو يأتي معبراً عن حالة ما بعد المعركة، والاستغراق في مشاعر ونتائج ما بعد المعركة والتفكير في الجوانب الإنسانية.

لا تقل مقطوعة "Going The Distance" تأثيراً وأهمية ضمن الفيلم، إذ تصاحب المرحلة الصعبة من التدريب ومشاهد التحضير للنزال بالتمرين البدني القاسي والشاق في كل أجزاء الفيلم، عدا الجزء الرابع. تعبّر عما يتعرض له المقاتل وجدانيًا وذهنيًا طوال رحلة التحضير، وهو سبب تماهي المشاهد معها، الذي يرى نفسه محل البطل في حياته، فهو يحتاج إلى المضي قدماً في الطريق، وقطع المسافة للوصول لهدفه. يقول سيلفستر ستالون في أحد المقابلات أن روكي ليس فيلماً رياضياً، هو فيلم عن شخص كان فاشلاً في حياته، ويحب امرأة، ولأجل المضي قدماً في حياته وتأمين قوته يلجأ للملاكمة التي يرى أنه له مستقبل فيها. فأكثر ما يشد انتباه الناس ويتابعونه هو القتال وسباقات السيارات، لأن الحياة في ذهنهم تتركز في هاتين الرياضتين، قتال للفرصة، وسباق للوصول. 

تبدأ المقطوعة بدخلة الجرس مع البيانو، والهاي هيت والسنيرز في الخلفية، متبعوين بالبوق والترومبيت. أما مع المقطع الثاني للمقطوعة وذروة إيقاع الترومبيت والدرامز، تظهر الكمانجة بمستويين، مستوى حاد في الخلفية، ومستوى أساسي رقيق، مع دق متتابع للأجراس، وأصوات تصفير تعطي لمسة إنسانية لهذا التتابع المتماهي مع أجواء الحشد الحربية. تأتي هذه المقطوعة أيضًا بتوزيع أسرع بعنوان "The Final Bell" يختم المعركة، ويمثّل حماسة الفوز، حيث تدفق في لحظاته كل المشاعر من سعادة ورغبة بالبكاء ونشوة النصر.

في الجزء الثالث، والذي يبدأ بانتصارات متتالية لروكي؛ الذي بات أحد أهم الأسماء الرياضية في أمريكا والعالم، أراد ستالون الحصول على حقوق أغنية "Another one bites the dust"، لكن فرقة كوين رفضت آنذاك، وهو ما جعله يتجه لفرقة سورفايفر، ليخلقا سويًا أيقونة موسيقية رياضية وهي "Eye of the tiger". ربما كانت هذه الأغنية مجرد مقطوعة روك عادية، لا يميزها إلا الإيقاع العالي الحيوي للجيتار الكهربائي، بالباص الثقيل والصنج، لكن كلماتها تعبر عن شغف القتال للقتال، ويحرك هذا الشغف الرغبة الدائمة والبقاء جائعين للمزيد من النجاحات والمزيد من ممارسة شغفنا.

في الجزء الرابع يظهر الوجه المتوحش للقتال، فإن كانت الأجزاء السابقة عن الطموح ورحلة الصعود، فإن هذا الجزء يأخذنا لمساحة أكثر شراسة؛ عبر الانتقام، والصراع الهوياتي الثقافي، حيث يثأر روكي لصديق عمره ومدربه أبوللو كريد بعد أن قتله الروسي إيفان دراجو في نزال مميت. قدم هذا السراع مساحة للتماهي مع أحداث جارية حينها تمثلت في الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي وتقاطعها مع الرياضة. 

تبدأ مقطوعة "War" المصاحبة لنزال روكي وإيفان دراجو، بالأجراس، متبوعة بفراغ تملأه بالتدريج السنيرز والجيتار الكهربائي، مع إيقاع الكونترباص. يستمر هذا الإيقاع حتى الذروة عدة مرات دون الاكتمال بل بإعادة عزف الحركة، لإعطاء إحساس بالمشقة والقلق والترقب. لكن مع احتدام الأحداث وتسارع الإيقاع يُدخل المؤلف الموسيقي فينس دي كولا البيانو إكسلوفون مصحوبًا دخلات المارشات العسكرية مع الطبول والبوق الغليظ، لتنتهي مع هدوئه المقطوعة.

مثَّل فيلم روكي بموسيقاه كل ما تحمله تلك اللعبة من جانب إنساني يتماهى معه الجمهور، لأنها ببساطة وبصدق عبرت عن عن دواخل ومكامن الصراع الذي يحيى الإنسان من أجله في الحياة، حلبة النزال التي يدخلها الجميع بلا أختيار.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع