أغاني وموسيقى مسلسل "ع أمل": حين يصبح صوت العمل جزءًا من نجاحه

نُحلل في هذا المقال عناصر الموسيقى التصويرية والأغاني المستخدمة في مسلسل "ع أمل" لتسليط الضوء على دورها في نجاح العمل
No Image
Change Font Size 20

تعيش بطلة مسلسل "ع أمل"، ما غي بوغصن، حالة فصام واعية، ما بين شخصية الإعلامية يسار، التي تُقدم عبر برنامجها التلفزيوني "ع أمل"، صورة للمرأة النسوية الحديدية المستقلة، التي تُملي على النساء نصائح تمكينية وتُقدّم نفسها كنوذج ليقتدين به. أما شخصيتها الأخرى فهي الضعيفة المستترة سهاد، التي ذُبحت على يد أخيها عندما خالفت العادات والتقاليد، وهربت بعد نجاتها لتستتر خلف قناع الإعلامية يسار، وتُحارب طواحين الهواء بدلًا من مواجهة الجاني ومحاسبته؛ لتترك القاتل يتحكم بمصائر نساء عائلتها، ليرتكب بحقهن المزيد من الجرائم تحت غطاء العادات والتقاليد.

على الشعرة الفاصلة ما بين الواقع والخيال نسجت نادين جابر حكاية المسلسل، وتمكن المخرج رامي حنّا من تغليف الحكاية بقوالب جمالية زادت من جاذبيتها، برزت بينها الموسيقى بشكلٍ خاص. بدأت جماليات الموسيقى من الشارة التي تم تصويرها كفيديو تعبيري يختزل فكرة المسلسل على أنغام الأغنية التي غنتها إليسا، "أنا مش صوتك". نُشاهد ماغي بوغصن في الشارة تتأرجح كدمية بين أيدي الرجال الذين يؤدون أدوار البطولة في العمل، بصورة بصرية تتضارب مع صرخات إليسا النسوية الصاخبة، لتبدو الشارة تجسيدًا للتناقضات في شخصية يسار/ سهاد. جاءت الأغنية من كلمات مازن ضاهر وألحان محمد يحيى وتوزيع عمر الصبّاغ.

وأما الموسيقى التصويرية المُصاحبة لمشاهد المسلسل، والتي ألفتها ليال وطفة، فهي لا تقُل رومانسيةً وحساسيةً عن الشارة، وتعتمد على أصوات محيطية تُعزز الميلودراما في الحكاية، وتتبدل نغماتها تبعًا للأماكن والأحداث. ويمكن التمييز ما بين ثلاثة فضاءات رئيسية، لُكل منها ثيمة موسيقية مميزة. الأول هو عالم يسار الشخصي، وما يتبعه في كواليس برنامج "ع أمل" وعلاقاتها المُتشعبة وغير مكتملة الملامح في المثلث العاطفي الذي يربطها بجلال (بديع أبو شقرا) ونبال (مهيار خضور). تعتمد الموسيقى في هذه المشاهد على عناصر كلاسيكية، تمتزج فيها أصوات مفاتيح البيانو مع وتريات الأقواس والجيتارات أحيانًا، بالإضافة للموسيقى الإلكترونية المحيطية التي ترسم الغلاف العام للمسلسل.

أما الفضاء الثاني فهو فضاء الضيعة، بمشاهد من الماضي والحاضر، وفيها تزيد جرعة الميلودراما مع استبدال الوتريات الغربية بتقسيمات على آلتي العود والبزق، تُضفي طابعًا شرقيًا على المَشاهد. وفي المشاهد التي تُصور حالات طقسية في الضيعة، كالولادة في الحلقة الأولى، حيث ترتفع أصوات الطبول الشرقية والآهات، لتنجح هذه العناصر بتعزيز التوتر والخوف الذي تعيشه النساء في هذا المكان المعزول.

أما الفضاء الثالث، فهو مُقترن بشخصية ابنة يسار، فرح التي تلعب دورها مارلين نعمان، وتُؤدي أغانٍ كتبها ولحّنها جاد عبيد. تُعيد فرح بأغانيها محاكاة أحداث المسلسل والمشاعر الدفينة التي تشعر بها الشخصيات الرئيسية، لتبدو كلوحات تعبيرية توكيدية، تحوّل فكرة أو شعور عابر إلى أغنية نابضة بالحياة، لا نمل من تكرارها. في هذه المشاهد تجري الكثير من الحوارات الهامة، ومعظمها تكون مكاشفات، يُفصح فيها أبطال العمل عما يدور بداخلهم؛ فأجواء المكان والموسيقى وصوت مارلين نعمان تبدو كعناصر محفزة على الكشف عن المشاعر العميقة.

عرف المُعد الموسيقي الياس دوه جي، أن يرسم الحدود بين هذه الأنماط الموسيقية المتداخلة ونقاط الالتقاء ببراعة. جعلها تتعاقب وكأنها ترسم وحدة موسيقية متكاملة رغم الاختلافات الحادة بينها، في سياق عرف فيه جيدًا متى يختار لحظات الصمت، وكيف يستفيد بالطريقة الأفضل من الإيقاعات الموسيقية ليُعبر عن أمزجة الشخصيات وإيقاعاتها الداخلية.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع