التأثيرات المتنوعة في موسيقى المسلسل التونسي "رقّوج" لحمزة بوشناق

وضع المؤلف الموسيقي حمزة بوشناق الموسيقى الأصلية للعمل حيث تكررت شراكته مع شقيقه المخرج عبد الحميد بوشناق للمرة الثالثة
حمزة بوشناق (الصورة من حسابه على فيسبوك)
حمزة بوشناق (الصورة من حسابه على فيسبوك)
Change Font Size 20

عدا عن فرادة الأداء التمثيلي والتصور الجمالي الذي يميّز دراما عبد الحميد بوشناق، نجح الأخير رفقة شقيقه حمزة بوشناق في تحويل موسيقى أعماله الرمضانية إلى غنائم صوتية. شهد كل من مسلسلي "نوبة" و"عشّاق الدنيا" توجهًا صريحًا إلى التراث المحلي لاستثمار النوستالجيا صوتيًا، في حين استدعى مسلسل "رقّوج" الذي يبثّ خلال رمضان الحالي تأثيرات موسيقية متنوعة تمتد من البلقان إلى أمريكا اللاتينية مرورًا بتونس لصناعة صوت مختلف.

ابتعد عبد الحميد بوشناق عن عالم المدينة الحاضر في مسلسليه السابقين "نوبة" و"عشّاق الدنيا"، واختار قرية ريفية بمعالم شبه فانتازية في منطقة جوقار. يكشف المكان عن أولى التناقضات المقصودة في العمل، إذ حاول عبد الحميد صناعة يوتوبيا ريفية متخيلة بإضافة روح غجرية إلى القرية النائية التي يحيط بها حزام غابيّ، وتنتشر في أرجائها المعاصر والبنايات القديمة، لكنها أفصحت عن واقع ديستوبي يلتقي فيه فساد الدولة مع إجرام عصابات التهريب والنبش عن الآثار.

استوعبت موسيقى حمزة بوشناق هذه الثنائية الممزقة. تميزت أغلب المقطوعات بطابع أثيري حالم ومحيط يشوبه القلق والاضطراب، وبدت كأطياف صوتية ترافق الشخصيات وظلالها وتُلوّن ملامحها في مزاجٍ مضطرب من الاحتفال والبهجة إلى الحزن والقلق اليومي في رقّوج والخوف من الورل، الرجل العصاباتيّ الذي احترف التهريب وتسيّد العالم السفلي في القرية. تخيّم روح غجرية ذات لمسة تونسية على عالم المسلسل والموسيقى، تجلّت بصريًا في اختيار الملابس والألوان والديكور مع تركيز مقصود على محرمة الرأس الخضراء المرصعة بزهور الحقل التي تميز العاملات الفلاحيات.

استجابت الموسيقى إلى الواقعية السحرية التي أثّثت عالم رقّوج. اختار حمزة بوشناق الكلارينيت والترومبيت الأقرب إلى روح موسيقى البلقان، والتي استعاد من خلالها عالم غوران بروزيفيتش والهوية الصوتية لسينما إمير كوستاريكا، وأضاف إليها بصمة تونسية في الزخارف والأداء مستعينًا بتشكيلة من العازفين مثل زياد الزواري واسكندر بن عبيد وسيد الزغل ويوسف الشوالي. صنع حمزة بوشناق مع العازف سيد الزغل من الترومبيت صوت رقّوج الذي صهر فيه تأثيراته الصوتية المتنوعة من البلقان إلى أمريكا اللاتينية، ومنح المسلسل طابعه الغجري المتونس.

كما حظِي الراحل رضا ديكي بتكريمٍ موسيقي عبر استعادة أغنيته الأيقونية "أنا نغني عالحب" على لسان قدّور عازف الترومبيت المكنّى بِـ بيدرو، كما منح المخرج عبد الحميد بوشناق المساحة لِكافون وعبسي لأداءات منفردة في تقليدٍ أصبح يلازم أعماله الدرامية.

انتصرت الموسيقى في رقّوج. ربما كان ذلك ما أنقذ العمل فعليًا وغطّى على بعض الهنات التقنية وتخبّط السرد أحيانًا. يُحسب لحمزة بوشناق مغامرته في صناعة صوت قلق لا يستقر على حالة مزاجية واحدة، غنيّ بالتأثيرات ويكسر رتابة النوستالجيا، ما منح المسلسل ومضة من غرائبية فانتازية ورفع سقف التوقعات عاليًا للأعمال الدرامية القادمة.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع