تطور أغنية الدراما السورية عبر بصمات خمسة مؤلفين موسيقيين

عبر رحلتها الطويلة وحتى اليوم عرفت المسلسلات السورية العديد من المبدعين الذين صنعوا لها موسيقة باتت عنصرًا نوستالجيًا في ذاكرة بلد بأكمله
No Image
Change Font Size 20

مرَّت الدراما السورية بأطوار مختلفة طوال العقود الثلاثة الماضية، وتأثرت بالأحداث السياسية التي هزّت هذه الصناعة بأكلمها وغيرت بوصلتها تمامًا، حتى باتت موسيقى وأغاني المسلسلات حقبة التسعينيات وبداية الألفية تثير حنين السوريين إلى أيام أبسط. تتجاوز علاقة جمهور المسلسلات السورية مع تترات هذه القائمة مشاعر النوستالجيا الاعتيادية للذكريات الماضية، بل أصبحت بوابة حنين السوريين إلى زمن لن يعود، حيث كان للعائلات أن تجتمع بعد موعد الإفطار لتتابع على شاشة التلفزيون الوطني المسلسل تلو الآخر، في حقبة سبقت المآسي والحروب والتهجير وتشتت الشمل.

وكما كان للدراما السورية ومدارسها المختلفة من التاريخي التوثيقي أو الفانتازيا إلى البيئة الشامية والكوميديا وصولًا إلى الدراما الواقعية، مخرجون عرّابون متخصصون طوروها، فقد كان لهؤلاء كذلك تعاونات متكررة ثابتة في معظم الأحيان مع مؤلفين موسيقيين اختصوا في التأليف والتوزيع للشاشة الفضية. تعرفوا على ثنائيات الإخراج والتأليف الموسيقي وأبرز الإنتاجات التي حقّقتها في هذه القائمة.

سعد الحسيني

لربما كان باب الحارة المسلسل السوري الأكثر انتشارًا على المستوى العربي، فقد حظي مسلسل البيئة الشامية بشعبية تجاوزت حدود سوريا وفاقت كل التوقعات منذ صدور جزئه الأول على يد المخرج الراحل بسام الملّا. عهد المخرج بتأليف شارة المسلسل إلى سعد الحسيني الذي توجّه بدوره، مدفوعًا بما يتناسب مع روح العمل وبيئته، للاستعانة بصوت منشد دمشقي مغمور لأداء الشارة وهو عدنان الحلّاق ليصبح صوته معروفًا لدى جمهور العالم العربي بأكمله ويتردد بينهم لسنوات طويلة تالية. ردَّد المنشد كلمات الشاعر أسامة مسعود التي تحدّثت عن الصفات التي يفاخر بها ابن الشام من شهامة ومروءة ونخوة، فيما حمل اللحن تفاصيل وتوزيعات تتناسب مع الموروث السوري الموسيقي التراثي، وإن كان بعض النقاد الموسيقيين قد وجدوا مساحة للإشارة إلى وجه التشابه ما بين الجمل اللحنية الرئيسية ولحن أغنية "بنت المعاون" للموسيقار زياد الرحباني التي صدرت ضمن مسرحيته "سهرية" في بداية السبعينيات.

لم يكن هذا التعاون الأول أو الوحيد بين المخرج بسام الملا وسعد الحسيني، بل عملا سويًا على تقديم شارة مسلسل الخوالي الذي سبق بابا الحارة بأكثر من عشر سنوات، وكان من مسلسلات البيئة الشامية السبّاقة والبارزة في تلك الحقبة. بالأسلوب ذاته في الاستلهام من التاريخ الدمشقي، ضمَّ اللحن الرئيسي وصلات موسيقية استعرضت أبرز الأغنيات التراثية للمنطقة مثل "يا مال الشام" و"مرمر زماني" وغيرها دون إضافة أي أداء صوتي.

طارق الناصر

عمل الموسيقي الأردني طارق الناصر مع العديد من المخرجين السوريين لتقديم شارات أعمالهم. بدأت مساهماته في الدراما السورية مع شارات الفنتازيا التاريخية للمخرج نجدة اسماعيل أنزور مثل "الجوارح" و"الكواسر" فمنحها لمسة إثنية في الإيقاعات غطت الطبقة الأولى من اللحن الدرامي وكمنجاته. أما في تجارب لاحقة فتنوعت تجارب طارق الناصر لتمتد إلى الكوميديا مع المخرج الراحل هشام شربتجي كما في مسلسل "يوميات مدير عام" بأغنيته ذات الكلمات الساخرة التي تلخص سخرية واقع أبطال العمل. أما في تجربة مغايرة تمامًا فتعاون بعد أكثر من عشر سنوات مع المخرج المثنى صبح في شارة مسلسل الدراما الواقعية "ليس سرابًا" ليقدّم أغنية عاطفية حزينة غرقت في ثيمة الاستسلام والانكسار.

رضوان نصري

اختص رضوان نصري بإبداع أغاني فكاهية للأعمال الكوميدية في ثنائية شبه حصرية مع المخرج هشام شربتجي، فلحّن له شارات "عيلة سبع نجوم" و"جميل وهناء" و"مبروك" و"بنات أكريكوز" وفي جميعها البصمة الساخرة الصاخبة نفسها، ليس فقط في الكلمات بل كذلك في أسلوب توظيف الآلات ونقلاتها وتوجيه الأداء الصوتي للمغنيين. أما في تجارب أخرى مغايرة للتوجه الكوميدي، وضع رضوان نصري قطعًا موسيقية أكثر درامية، لعلّ أبرزها كان تلحينه للقصيدة الدمشقية للشاعر الكبير نزار قبّاني، والتي جاءت كتتر للمسلسل الذي قدّم سيرة حياة الشاعر، وغنتها النجمة أصالة نصري، ليضفي أداؤها إلى القصيدة وإلى اللحن أبعاد درامية جديدة مع قدرة صوتها على الصعود بقوة في الجواب مما يضفي لمسة ملحمية على الأداء.

طاهر مامللي

بعد تخرّجه من المعهد العالي للموسيقا في دمشق، خاض طاهر مامللي تجربة التأليف الموسيقي للدراما للمرة الأولى تحت إشراف المخرج هيثم حقي في مسلسلات أبرزها "سيرة آل الجلالي". أما فيما يلي ذلك فانطلقت شراكته الطويلة مع المخرج الراحل الكبير حاتم علي. قدّم طاهر مامللي لشارات المسلسلات بقدر ما قدّم حاتم علي للدراما السورية من إنتاجات غيرت مسار الصناعة إلى الأبد وقادتها نجو الانتشار العربي والتوثيق الاجتماعي الدرامي الدقيق. بدأت تعاوناتهما مع تلحين طاهر لشارة مسلسل "الفصول الأربعة" مستغلًا تشابه اسم المسلسل مع مقطوعة فيفالدي الشهيرة، ليقدّمها بتوزيعات الكمنجات الشرقية. بدأ بعدها الاعتماد في العديد من الشارات التي قدّمها على قصائد من حقب مختلفة. قدّم لمسلسل "التغريبة الفلسطينية" قصيدة الفدائي للشاعر إبراهيم طوقان، ولحن قصيدة "أيها المارون" للشاعر محمود درويش لمسلسل "صلاح الدين الأيوبي" وقامت بأدائها الفنانة اصالة. وللمسلسل العاطفي الرومانسي "أهل الغرام" انتقى من شعر عمر بن أبي ربيعة قصيدته الشهيرة ومطلعها: "ألا حبّذا حبّذا حبّذا/ حبيب تحملت منه الأذى"، أما لمسلسل أحلام كبيرة فاختار تقديم قصيدة لشاعر سوري معاصر هو نزيه أبو عفش وغنتها الفنانة السورية نورا رحّال.

يمكن إلقاء نظرة أعمق على إسهامات طاهر مامللي في أغاني المسلسلات، لا من خلال كل ما سبق من قصائد منتقاة وملحنة فحسب، بل من خلال أسلوبه التجريبي الجريء الذي تجلّى في العديد من التجارب وعلى رأسها أغنية مسلسل "بقعة ضوء". خرج المسلسل الكوميدي الناقد ليقدّم اسكتشات حول الحياة السياسية والاجتماعية في سوريا مع بداية الألفية الجديدة، في تجربة فريدة وجريئة. وتماشيًا مع روح العصر الجديد، قدّم طاهر مامللي قطعة موسيقية ساخرة عبثية، دمج فيها الكثير من مفردات التسليم والانهزام: "يا ناس خلوني بحالي/ وحدي ومرتاح بالي/ ما حدا مرتاح" مع شهار شركة نايك الشهير: "Just Do It" الذي ردده الكورس في اللازمة كأنه تحدٍّ ساخر للمواطن التعيس. تعاون طاهر في هذه التجربة مع المغني عاصم سكر ومع السوبرانو السورية ديما أورشو، موظفًا صوتها الأوبرالي وأدائها المميز في طيات الموسيقى التصويرية في العمل ضمن مفارقة ساخرة. بقيت الشارة والموسيقى التصويرية حاضرة في العمل في كل موسم رمضاني منذ العام 2001 وحتى الجزء الخامس عشر من المسلسل، لتنطبع كبصمة صوتية في ذاكرة السوريين.

إياد الريماوي

انطلقت تجربة إياد الريماوي بشكل فعلي في الفترة التي تبعت بداية الحرب في سوريا، والتي تركت أثرها في الصناعة الدرامية وغيّرت توجهاتها التي تبعتها قبل الحرب. تضاءلت حينها مساحة الأعمال التي نالت استحسان واجتماع السوريين الذين باتوا يعيشون الآن ضمن ديموغرافية جديدة، مفتقدين لكل ما كان يلمّ شملهم في الماضي. مع ذلك، نجحت بعض التجارب في الوصول إلى الجمهور السوري وحتى الجمهور العربي الواسع الذي استقبلها لكل عناصرها، ومن بينها مسلسل "الندم" الذي قدّم دراما اجتماعية من خلال تقديم قصة حب هناء وعروة في المقام الأول. وضع إياد الريماوي لحن الشارة وتعاون فيها مع الصوت الشاب كارمن توكمه جي، كما تكرر تعاونه معها في شارة مسلسل "ضبو الشناتي" الذي حاول نقل صورة عن واقع الداخل السوري في تلك الفترة ضمن قالب كوميديا اجتماعية.

كان لإياد كذلك بصمته في أعمال بارزة وتعاونات مع أصوات سورية شابة مثل شارة مسلسل "مسافة أمان" مع لينا شمميان و"شبابيك" مع فايا يونان ثم المسلسل السوري- اللبناني المشترك "ما فيي" مع نيرمين شوقي، انتهاءً بشارة مسلسل "الخائن" الذي عرض مؤخرًا. في مجمل هذه التجارب نجد التأثر الكبير لإياد الريماوي بالآلات والتوزيعات الغربية الكلاسيكية، التي تعطي الأولويات للكمنجات بشكل أساسي لتسيطر تلقائيًا على الثيمة الدرامية العامة للأغنية.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع