كان صوت عبد الحليم دافئًا حنونًا وكانت أغانيه عنوانًا للرومانسية والحب، وبعد النجاح الكبير الذي حقّقه في الغناء تهافت عليه المنتجون ليكون بطلًا سينمائيًا، واستطاعت موهبته الفطرية أن تفرض نفسها، وخلقت منه نموذجا مختلفًا، قريبًا من البسطاء، بعيدًا كل البعد عن الصورة النمطية للبطل الأرستقراطي الوسيم. قدَّم عبد الحليم للسينما طوال مشواره 16 فيلمًا خلال الفترة بين العام 1955 وحتى العام 1969.
بالتزامن مع ذكرى ميلاده الـ 95 نتذكر سويًا أبرز الأغنيات الشهيرة التي صدرت ضمن أفلامه التي تميّزت بخفتها وبساطتها، وشكّلت تطورًا ملحوظًا في شكل الأغنية الطربية وقتها.
حلو وكداب
كانت الأغنية جزءًا من فيلم"موعد غرام" الصادر عام 1956، وتحكي قصة سمير، الشاب العاطل المستهتر ذو العلاقات النسائية المتعددة الذي يقابل الصحفية نوال في القطار اثناء عودته من الإسكندرية ويحاول بشتى الطرق التودد إليها ولكن دون جدوى. تتابع بعدها الأحداث الدرامية المتصاعدة، وقد ضمَّ الفيلم أربع أغنيات كلهم من كلمات مأمون الشناوي. في "حلو وكداب" التي لحّنها محمود الشريف، يلوم سمير نفسه على تصديقه كلام نوال التي تخلفت عن موعدها معه عن قصد ويعاتبها بمنتهى الحب "ليه تكدب عليا من أول ميعاد ده حرام الأسية/ لو تطلب عنيا امشيلك بلاد وأجيبهم هدية".
تخونوه
جسَّد عبد الحليم في أفلامه كافة أشكال الحب، وفي فيلم "الوسادة الخالية" الصادر عام 1957 المأخوذ عن رواية إحسان عبد القدوس، قدَّم العندليب شخصية صلاح الطالب في كلية تجارة الذي يعيش قصة حب وردية مع سميحة، والتي لعبت دورها لبنى عبد العزيز في أول ظهور لها، قبل أن تتحطم آماله ويتخبط بين العيش الماضي والنظر إلى المستقبل. كانت أغنية "تخونوه" هي أول تعاون بين عبد الحليم و الملحن بليغ حمدي، وكتب كلماتها إسماعيل الحبروك. في البداية كانت الأغنية معدة لليلى مراد لتغنيها في الإذاعة، ولكن بليغ استأذنها بعدما سمعها عبد الحليم وأراد أن يضمها لأغنيات فيلمه القادم ووافقت ليلى على الفور. وعندما صدرت الأغنية نجحت نجاحا ساحقًا لأنها جسدت عذابات الحب بإحساس حليم الذي لا يوصف وكانت بداية لعهد جديد من النجاحات بين بليغ وعبد الحليم.
بتلوموني ليه
قدم عبد الحليم عام 1959 فيلم "حكاية حب" مع كل من مريم فخر الدين وعبد السلام النابلسي ومحمود المليجي. دارت قصة الفيلم حوّل أحمد سامي مدرس الموسيقى بإحدى المدارس الصغيرة بالإسكندرية، والذي يحلم بأن يصبح مطربًا مشهورًا، وخلال مسعاه في هذا الطريق يقابل فتاة أرستقراطية تدعى نادية ينبهر برقتها وجمالها ويقع في حبها. ثم سافر إلى القاهرة وقادته الفرصة إلى لقاء في إحدى البرامج الإذاعية فغنى وأعجب الجميع بصوته وأصبح مشهورا لكنه عندما أراد الزواج من نادية اعترض خالها بسبب الفارق الاجتماعي بينهما وبعد العديد من العقبات التي تخطاها ينتهي الفيلم بفوزه بحب حياته
قدَّم حليم في هذا الفيلم أربع أغنيات هي "في يوم في شهر في سنة" و" بحلم بيك" و "حبك نار" و"بتلوموني ليه"، وكلها من كلمات مرسي جميل عزيز. أما "بتلوموني ليه" بالتحديد فتخطى نجاحها نجاح الفيلم، وتربعت بين أجمل الأغنيات الرومانسية في أرشيفه. حرص العديد من الفنانين من مختلف الأجيال على إعادة تقديم الأغنية مثل وائل جسار وهانى شاكر حتى عمرو دياب غنى مقطعًا صغيرًا منها ضمن أحداث فيلمه "آيس كريم في جليم" عام 1992.
الحلوة
صُنف فيلم "الخطايا"واحد من أفضل مئة فيلم في السينما المصرية، أخرجه حسن الإمام عام 1962 وتدور قصته حول الأخوين حسين وأحمد اللذان يفرق أبيهما في المعاملة بينهما، قبل أن تتوالى أحداث الفيلم لتكشف عن السبب في ذلك. رغم جرعة الدراما والكآبة، ينتهي الفيلم نهاية سعيدة، وقد ضم خمس أغنيات من أبرزها "وحياة قلبي وأفراحه" التي مازالت متربعة على عرش الأغنيات التي نستمع إليها في تخرجنا على اختلاف المراحل الدراسية. كتب كلمات الأغنية فتحي قورة ولحّنها منير مراد. من الأغاني التي لاتنسى أيضًا التي قدّمها الفيلم كانت أغنية "الحلوة" التي كتبها مرسي جميل عزيز ولحنها كمال الطويل وجاءت غنية بالغزل الرومانسي على طريقة العندليب التي يعشقها جمهوره.
حاجة غريبة
من أشهر الديوهات التي قدمها العندليب بمشواره الفني هو "حاجة غريبة" التي غناها مع شادية وصدرت ضمن أحداث فيلم "معبودة الجماهير" عام 1967. كتب كلمات الأغنية حسين السيد ولحنها منير مراد، ويحكي الفيلم عن إبراهيم الممثل المبتدئ الذي يقع في حب سهير الممثلة الشهيرة، ويخفي مشاعره ظنا منه أنها لا تراه قبل يكتشف أنها تبادله نفس المشاعر. ورغم أن الثيمة العامة للفيلم قُدّمت في أكثر من عمل سابقًا، إلا أنه حقق نجاحًا كبيرًا. بالإضافة لذلك، كان الجمهور متشوقًا لرؤية حليم بعد غيابه عن السينما حوالي خمس سنوات، ويقال أن تصوير الفيلم استغرق قرابة الأربعة سنوات بسبب سوء حالة عبد الحليم الصحية في ذلك الوقت.
قاضي البلاج + دقوا الشماسي
كان فيلم "أبي فوق الشجرة" هو آخر أفلام العندليب في السينما، وحقق نجاحًا كبيرًا في الإيرادات خلال فترة عرضه التي استمرّت لأكثر من 50 أسبوعًا في دور العرض. ضمَّ الفيلم خمس أغانٍ كان أبرزها السكتش المكون من أكثر من عشرة دقائق في بداية الفيلم بعنوان "قاضي البلاج"، كتبه كلماته مرسي جميل عزيز و لحنه منير مراد. جاء هذا الجزء مختلفًا عن أغلب أغاني العندليب في الأفلام، حيث تصلح الأغنيات للأداء في الحفلات الحية، فيما عدا هذه الأغنية التي تعتبر سكتشًا استعراضيًا مرتبطًا بالفيلم، شارك فيه عدد كبير من الممثلين والراقصين. وحتى بعد مرور 55 عامًا، وبالتحديد في رمضان الماضي، قام أحد المطورين العقاريين بالاستفادة من نجاح الأغنية العابرة للأزمنة، وصنعوا منها نسخة بتوزيع مختلف للترويج لإحدى المنتجعات الساحلية في منطقة الساحل الشمالي.