في تجربته الروائية الطويلة الأولى إخراجًا وتأليفًا، وبمعاونة ثلاثي موسيقي متنوع الخلفيات والثقافات يتمثل بكل من مارك فابيان كورتزيه ومحمد حمدان وجون أنتونين، يأخذ علي الكلثمي الموسيقى في فيلمه "مندوب الليل" لبُعد شديد الخصوصية. يقرر جعل شريط الصوت المصاحب معبرًا في غالبية الأوقات عن الحالة الداخلية لبطله فهد القضعاني الذي يواجه مشاكل مادية بالإضافة إلى فراغ عاطفي، ليتجه للتورط في دائرة أعمال مشبوهة.
تلعب تقاطعات الكمان مع الضوضاء دورًا كبيرًا في تقديم الشخصية المتشتتة، وبرغم بساطة المشاهد الأولى وطبيعيتها، إلا أن التكثيف يعبر عن صعوبة داخلية في التعامل مع تلك التفاصيل البسيطة، وتمهّد للقرار المحوري القادم في حياة هذا الشخص. كما يُستخدم خليط القيثارة مع الطبول في تتابع متصاعد كمكوّن يحمل تضاد الهدوء وشدة الانفعال، تمثيلًا للخلل السلوكي في التعبير عن الغضب بشكل طبيعي. كما حضرت الدرامز مع التشويش، وبإضافة نصف حركة من إيقاع البوق الفرنسي، ومؤثرات صوتية كرنين الجرس في لحظات الذروة للتعبير عن الصراع الداخلي الدائم.
لا يكتفي الموسيقيون الثلاثة بتوظيف صوت الجرس، والذي يأتي كناقوس إنذار داخلي دائم العمل يوتّر صاحبه، ويثقل من خطواته، بل تُستعمل أيضًا الذبذبات، وحركة الأقدام السريعة، وفرقعة الأصابع كمؤثرات خارجية تؤكد سيطرة المحيط الخارجي على سلامه النفسي. مصحوبًا في الوقت ذاته بالموسيقى الإلكترونية المعتمدة على الكيبورد، أو الإكسلوفون في حالات السكون القليلة.
تلعب الموسيقى الإلكترونية دورًا في بروزة الفارق الطبقي بين طبقة البطل والطبقات التي يحتك بها، سواء بالصخب أو السلام الداخلي المؤقت، بين التشيل ميوزك المُطعمة بالأفرو بيت، أو الهمهمات مو موسيقى إثنية للتعبير عن السلام الداخلي، والإلكترو كلوب المعبر عن الصخب.
تُختم المنعطفات التي يمر بها فهد بذروة سيمفونية من طبقات الذبذبات والكمنجات، ومع حل العقدة الدرامية ووصول البطل لمصيره، تهدأ على نوتة منخفضة من البيانو، مختومة بمزمار شعبي سعودي مصاحبًا لمشهد أيقوني يختلط فيه هم فهد بالهم العام لأفراد طبقته في حافلة عامة ليلًا.
شارك الفيلم في مهرجانات عالمية بارزة مثل تورنتو السينمائي الدولي، وزيوريخ السينمائي، والبحر الأحمر السينمائي الدولي، كما مثّل الفيلم السعودية في الدورة 15 من مهرجان الفيلم العربي في برلين خلال شهر أبريل/ نيسان الماضي، فيما يتم عرضه مؤخرًا في الصالات السينمائية في عدد من البلدان العربية.
