لم تشهد الأفلام الشعبية أو التجارية في مصر تقديم سلسلة لفيلم إلا في نماذج قليلة طوال تاريخها، إلا أنَّ "ولاد رزق" استطاع أن يحقق مكانة بارزة له على مستوى جُنرا الأكشن/ الدراما بتقديم حكاية أقرب لحالة عوالم الأبطال الخارقين ولكن مستمدة من عالم الجريمة التحتية. في قلب هذا العالم أتت الموسيقى كعنصر أساسي في خلقه، خاصة مع الثبات على وجود مؤلف موسيقي واحد للموسيقى المصاحبة، والتركيز بشكل غالب على جُنرا موسيقية واحدة بتفرعات عديدة لها؛ ساهمت في خلق حالات، ورسم ذهني معبر بشكل صادق عن أفكار أبطال الثلاثية، مع تعميق العلاقة بين السلسلة والجمهور المتماهي معها.
الموسيقى المصاحبة لهشام نزيه، وعالم نفسي مليء بالتشويش
يملك هشام نزيه رصيدًا ثريًا من المشاركات الموسيقية في أفلام أكشن مهمة منذ بداية الألفية، سواء بمشاركته في تأليف الموسيقى المصاحبة لفيلم "تيتو"، أو فيلم "إبراهيم الأبيض". خلال تجربتيه البارزتين هاتين نلاحظ تركيز نزيه على الجانب النفسي الداخلي لأبطال العمل، ومزجه بتأثير العالم الخارجي المحيط بهم، إذ غالبًا ما يُبنى باطن تلك العلاقة على التوتر. ففي الموسيقى المصاحبة لـ "إبراهيم الأبيض"، نجد استعانة واضحة من إيقاعات وألحان ترتبط بالموسيقى الصوفية، والتي يمزجها بالموسيقى الشعبية، لتعطي حالة من الأسطورية للشخصيات الرئيسية، في سردية مقاربة لسردية الحكاية الشعبية.
في عالم "ولاد رزق"، ومنذ جزئه الأول، لجأ هشام إلى توظيف الأصوات الواقعية من المحيط، كخط أساسي تُبنى عليه إيقاعات الموسيقى المصاحبة بشكل كامل. فمنذ التقديمة مع قطعة "عين أعيان المنطقة"، تحضر سرينة الإنذار مع التشويش، والذي يستمر بالتصاعد في النوتات معتمد على البايس الثقيل.
مع تصاعد الأحداث يجد نزيه نفسه في حاجة لتمثيل آلاتي أكبر في "عقرب دخل عش العنكبوت"، بتكثيف الطبول وحضور الدرامز والصنوج بمسحة أوركسترالية في الإيقاع، أو البوق الفرنسي في "الواد معمول رهينة"، والتي بالطبع يتمازج معها التشويش مختلف الكثافة بحسب حساسية المشهد وتصاعد الأحداث الدرامية به. عبَّر اعتماد التشويش والبايس المضغوط كخط رئيسي عن عالم مكتوم، يتحرك أكثر بالليل، ويحيطه الغموض، وهناك دائمًا قطعة ناقصة من أحجية أحداثه لا تكتمل إلا بحل عقدة ولغز الفيلم بالنهاية.
تتمثل جاذبية أبطال الفيلم في كونهم شخصيات هامشية في الهرم الطبقي المجتمعي، لذلك فتمثيلهم هو تمثيل شبحي، يظهر فقط في لحظات وعوالم معينة. نجد لحظة الصفاء الوحيدة في الجزء الأول التي تنفرج فيها الموسيقى مع نهاية قطعة "يوم ما أقول نبطل هنبطل"، و قطعة "صبي بس قلبه قلب معلم"، ضمن لحن يعتمد على كوردات الجيتار المشدودة، ومفاتيح البيانو ذات النوتات المنخفضة، في استرسال هادئ يعطي تأثير لحظات العصر الصافية، أو الحلم الهادىء في ليلة ربيعية. تسعى كل هذه العناصر الموسيقية إلى تمثيل الجانب الإنساني من الشخصيات الأبطال، الذين يقومون بكل أعمالهم فقط للنجاة في ظروف حياتية صعبة.
حضرت ذات الصيغة الموسيقية في الجزأين الأول والثاني، لكن الوضع اختلف من الوصول للجزء الثالث، الذي قدَّم قفزة على مستوى جرعة الأكشن. حوّلت طبيعة المهام الجديدة "ولاد رزق" من مجموعة مرتزقة ضيقي الحيز التنفيذي، لأفراد محترفين بمهام دولية، تكون محطتهم الأولى بالرياض، لخطف الملاكم العالمي تايسون فيوري بعد نزاله الشهير مع فرانسيس نجانو في حدث "Battle of the Baddest" الذي جرى ضمن موسم الرياض.
تتغير الموسيقى بذلك إلى حد كبير سواء عبر إعادة توزيع جذرية لموسيقى ظهرت في لأجزاء الماضية، أو خلق قطع جديدة. يزداد نطاق التشويش المكثف، والمدة الزمنية بين كل حركة والحركة التي تليها. أما الإضافات فتمثلت في الموسيقى الجنائزية المقرونة بالدق على الطبول على الإيقاع الإفريقي والتي قدمت أسطورية شخصية أخرى أكبر من كل الشخصيات الموجودة في عالم "ولاد رزق". ترافقت مشاهد الحركة والمطاردات مع مزيج بين الإلكتريك جيتار والمزمار السعودي الشعبي والدرامز الذي يتسارع إيقاعه أو يتباطأ حسب حدة المطاردة أو اللحظة الحركية، والتي يتخللها في اللحظات المقدمة لمعالم الرياض، إضافة المزمار السعودي في الخلفية.
الأغاني المختارة: مهرجانات تمجد البيرسونا وأغاني للجانب الإنساني
انحازت السلسلة بشكل واضح لموسيقى المهرجانات كالرفيق الرئيسي طوال رحلتها، منوعة في الأسماء والأنماط التي قُدمت بها المهرجانات المصاحبة، من الدخلاوية للمدفعجية لإسلام الدجوي، وإسلام شندي وعنبة وزوكش، وغيرهم. دون تناسي الجانب الإنساني لأحداث عالم "ولاد رزق" والذي قُدم بتعاونات شملت البوب والإندي واللاتينو والبوب الشعبي.
كانت ضربة البداية مع الدخلاوية من الإسكندرية بمهرجان "أسود الأرض" حيث الأسلوب السردي المعتمد على وجود قصة كاملة بتصاعداتها، تبدأ من الصِغر: "من صغرنا مع بعضينا/ عالمجدعة والرجولية/ والخلق بتحكي علينا/ حكايات أصلًا وهمية"، وحتى الوصول إلى العقدة: "ليه البشر مبقيتش تصون/ ده حتى أخويا واخدني زبون".
عكس "الأسود راجعة" للمدفعجية في الجزء الثاني، والتي اعتمدت على التبجح والتركيز على ثيمة العودة بعد غياب. لم يكن هذا المهرجان الوحيد في الجزء الثاني فقد زادت تعاونات المهرجانات فيه، من "السبقانة كسبانة" والتي رافقت مشاهد الأكشن الأولى في الفيلم، بالتعاون بين محمد الفنان وإسلام الأبيض، أو "أخوات بشوات" لإسلام الدجوي، والتي قدمت اللون القديم للمهرجان سواء على مستوى الأداء أو التوزيع الموسيقي.
أما الجزء الثالث فقدّمت مهرجاناته رؤية أكثر تنوعًا للبيرسونا بعد استقرارها وتحولها لعالم كامل، سمح بإعطاء أسطورية للأخوة رزق، مع مهرجان "القاضية" من أداء إسلام شندي وكلمات إسلام شندي وحازم إكس، وتلحين إسلام شندي وتوزيع أحمد توينز. مزج المهرجان بين المقسوم الشعبي ومقسوم المهرجان، وضم جمل مثل "أبطالها عشان عارفين أسرارها"، أو "أبطال في الصيرة وعين الصيرة". الإضافة الأخيرة كانت تعاونًا ثلاثيًا جمع بين ثلاث مدارس مختلفة في المهرجان من البوب مع عنبة، والمهرجان مع زوكش والشعبي مع مُسلم، ضمن مهرجان واحد من كتابتهم والحانهم وإنتاج كلوبكس بعنوان "ناس مظبوطة".
كما ضمَّ الجزء الأول أغنية لأصالة بالمشاركة مع فرقة بساطة بعنوان "تفاصيل"، والتي عبَّرت عن المسارات التي يأخذها الإنسان في حياته وتحدد أي مصير ينال، وكيف يمكن أن يعدل المرء مسارًا سيئًا أجبرته الحياة عليه، وجاء فيها شيء من الحكمة، وكأن الفيلم سيتكون من جزء واحد فتنتهي معها الرحلة. أما في الجزء الثاني فنسمع اصالة نفسها تغني "لما تقول يا عوم عوم لحد البراميل" في تعاونها مع مصطفى حجاج، والذي يتهاوى ذلك التصور الإيجابي للواقع الإنساني والطبيعة التي يفرضها التواجد بعالم بهذه القسوة المادية. تأتي الصور والتعبيرات جريئة وقوية مثل "كلنا كلاب فلوس/ متشبعناش خزاين/ هتشان من النار يا سكولار/ قابل بقى الحرايق "، فإن دخلت طريق، يجب عليك إكماله لنهاية حياتك.
وفيما كانت أغنيتا الجزء الأول والثاني انعكاسًا للأحداث، فإن أغنية الجزء الثالث "تيجي زي ما تيجي"، والتي ضمَّت تعاونًا بين بوسي ونوردو من كتابة مصطفى حدوتة، تنظر بشكل أكثر عُمقًا يصف ويشرح ولاد رزق، فهم يضعون حياتهم على حافة الخطر، ودافعهم الحقيقي لذلك هو توفير سبيل للمعيشة: "على رزقي هتيجي نقلب شياطين".
تفسر الأغنية الثالثة المعضلة التي طرحتها أغنية "لما تقول يا عوم" بفكرة العودة مرة أخرى للعوالم التحتية للجريمة، فالماضي هو من يستدعيهم "مش بنحن احنا لماضينا بس الماضي حن لينا فبنرجع فبنرجع تاني"، أو "والدنيا بتقلب علينا، عايزة الوش التاني لينا يطلع، فبيطلع، فبيطلع تاني". حملت الأغنية كذلك لمسة عاطفية تتماس مع تقدم الأبطال في العمر، وتآلف الجمهور معهم "احنا جينا ولما جينا كله وسع سنة لينا، واحنا زي محنا وعادي". لا تخلوا الأغنية من الحيوية والمرح التي تضيفها ألحان إيهاب عبد الواحد وتوزيعات إسماعيل نصرت الموسيقي، المعتمدة على لمسة موسيقى الريجي تون مع البايس المكثف والترومبيت.
أنتج الجزء الأول من سلسلة ولاد رزق شركة Raw Entertainment، بينما أنتج الجزء الثاني كلًا من شركة سينرجي، الطاهر ميديا بروداكشنز، بالتعاون مع شركة Raw Entertainment، وتولت إنتاج الجزء الثالث شركة Raw Entertainment بالتعاون مع شركات سينرجي وFilm Square، و G creations، وبرعاية الهيئة العامة السعودية للترفيه وموسم الرياض. ومن الجدير بالذكر أن أصالة قد شاركت في إنتاج الجزأين الأول والثاني بالاشتراك مع المخرج طارق العريان والمنتج والمنتج المنفذ موسى عيسى.