صادف صيف هذا العام مرور 15 عامًا على الفيلم الأيقوني "إبراهيم الأبيض" منذ عرضه بالسينمات لأول مرة، ومنذ ذلك الحين لم يتوقف تأثير الفيلم على الثقافة الشعبية المصرية، سواء بالسينما أو الفيديو كليب أو الأغنية. في هذا العام فقط دخل قائمة أعلى 50 مهرجان لبيلبورد عربية مهرجان وكليب يقتبسان ويستلهمان من عالم ابراهيم الأبيض، الأول هو المهرجان الذي لا يزال يحافظ على وجوده في مراتب متقدّمة لمجدي الزهار "عشري يبعني أنا"، والثاني هو كليب أمين خطاب وكريم كرستيانو "قلبنا أبيض قشطة".
أيضًا مع حلول نسخة مهرجان الجونة لهذا العام، شهدنا أول حفلة موسيقية جماهيرية للمؤلف الموسيقي هشام نزيه بمهرجان الجونة السينمائي الدولي، والذي مثلت بالنسبة له موسيقى فيلم "إبراهيم الأبيض" مرحلة انتقالية بين البدايات والصعود الفني مع مشاريع مثل موسيقى فيلم "سهر الليالي"، وفيلم "تيتو". كانت موسيقى الفيلم جسرًا لمرحلة أكثر نضجًا واستمرارية لنزيه، امتدت بعدها للعديد من الأعمال بالخمسة عشر عامًا التالية له. كما أنها كانت تمهيدًا جيدًا لموسيقى مسلسل "السبع وصايا" والتي استخدم فيها نفس تقنية الإنشاد، ولكن على نطاق أوسع وأكثر تنويعًا.
راعى هشام نزيه في عمله على موسيقى الفيلم أنه كان بين مساحتين، المساحة الأولى هي إكساب روح الفيلم مسحة كلاسيكية تتوافق مع أسطَرة الشخصيات والحدوتة، بحيث تمثل المنطقة العاطفية في الفيلم فالس شعبي يعبر عنه بنطاقات صوتية مختلفة. أما الجانب الثاني فهو جانب الرواية الشعبية والذي استعان فيه بمزيج بين موسيقى الحضرة، والآلات الشعبية التقليدية، وآلات من جنرا الروك، والتي تمتزج بأدوات المساحة الأولى الوترية من الكمان والهارب.
المقاطع التي تكشف عن عالم الفيلم استعملت إيقاعات متتابعة من الدفوف والطبول الغليظة مع الكمان الحاد، مضيفة له تحليات إنشادية للشيخ زين محمود، تطمس كلماتها بحيث لا يبقى إلا الطبقة الصوتية وكأن القدرة على الكلام مكتومة. يحيل ذلك للحياة في الطبقات التي ينتمي لها عالم إبراهيم، حيث المخفي أكبر من المعلن عنه، وكل شخصية تكتم المعاناة داخلها، حتى أنه يستعين بإضافة صوت مقارب لصوت الطيور الجارحة في لحظة سقوط أو إصابة.
وبعد فواصل من الفراغ، ينتقل الكمان إلى تمبو على نطاق أقرب للنطاق الأوركسترالي، تتداخل فيه الطبول الحربية، ثم يطفو إيقاع الكمان بشكل منفرد، حيث يتلاعب به نزيه ليعبّر عن مشاعر مختلفة من التيه، للحرية، وحتى الحب الذي تعبر عنه مشاهد إبراهيم مع حورية.
كما تشهد المنطقة الحركية من موسيقى الفيلم العديد من الألعاب والمُدخلات. ففي مشهد المطاردة الافتتاحي يستعمل هشام البايس جيتار مثلما استعمله في موسيقى فيلم "تيتو" لكن بتمبو أعلى، وبايس أكثر وضوحًا مع التصفيقات. تتوالى بشكل متسارع أصوات التشويش الشبيهة بحركات عداد الكهرباء، وكأنها تقطع من أعمار تلك الفئة من المجتمع، خاصة مع العنوان اللافت "Chase Never End"، المذيل لسرينات سيارات الشرطة في نهاية موسيقى المشهد.