وقفت مايا حميدة تترقب على أحر من الجمر أول عرض حي تشاهده للمغنية إليانا، في ليلة من أبرد ليالي فبراير/ شباط خارج مسرح هاورد في واشنطن. وسط الجموع الحاشدة من الجالية العربية في الولايات المتحدة والعرب الوافدين الذين تدفقوا إلى صالة الحفلات التاريخية لمشاهدة هذه النجمة العربية الواعدة، شعرت مايا بالأمل وهي تفكّر بانطلاقة إليانا السريعة في عالم النجومية، وما يعنيه نجاحها بالنسبة للعرب في الولايات المتحدة الأمريكية.
علّقت مايا بفخر قائلة: "كان ضربًا من الخيال أن أصدّق أن فنانة تغني باللغة العربية فقط يمكن أن تقيم حفلًا في الولايات المتحدة يحضره الناس عامةً، وليس فقط العرب، ومنهم من لا يتكلمون العربية، ولكنهم يحبون صوتها وجمالها الأخاذ والرسالة التي تعبّر عنها موسيقاها."
تعتقد سمية طوبة التي تحضر الحفل بحماس أيضًا أن إليانا تزرع الفخر في قلوب عرب الشتات خارج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وتوافقها الرأي قائلة: "أشعر بصلة عميقة بيني وبين وطني عندما أستمع إلى هذه الموسيقى، فهي ترسل رسالة لكل من يعيش خارج المنطقة ويحنّ للوطن. هذه الموسيقى تمثّل حنينًا لوطن لم يعرفه الكثيرون منا."
بالرغم من أن الكثير من الفنانين العرب قد أقاموا جولات غنائية في الولايات المتحدة وحفلات في أمريكا الشمالية، إلا إن إليانا تمثّل رسالة مختلفة؛ فهي رمز للأمل بأن تحقق الموسيقى العربية الأصيلة نجاحًا دوليًا تتردد أصداؤه في أرجاء العالم الواسع، وهذا ما لوّن هذه الليلة بشعور مستبشر وأمل ينعش الروح.
وقفت فتيات صغيرات أمام خشبة المسرح في الصالة التي امتلأت حتى آخرها، على أمل أن يلمحن الفنانة التي استحوذت على إعجابهنّ، فيما جلس المسنون والمسنات براحة في المقاعد الخلفية بأعين مغلقة للاستمتاع بصوت إليانا الذي دوّى في المكان.
لا يمكن لأحد أن ينكر أن إبداع إليانا الفني وجد صداه بين المستمعين من العرب وغير العرب ومن جميع الأعمار، خصوصًا أن أغانيها الأكثر انتشارًا، مثل "غريب علي" و"يا ويلك"، تذكّرنا بفنانين مهدوا الطريق لهذه الفنانة الشابة، مثل عبدالحليم حافظ بأغنيته الشهيرة "أهواك"، وراغب علامة بأغنيته المذهلة "نسيني الدنيا".
أخبرتنا إليانا بعد العرض: "لا أريد أن أستهدف جمهورًا محددًا دون غيره، بل أريد أن يحبّ العرب جميعهم دون تمييز الأغاني التي أقدمها والفنّ الكامن فيها. عندما أغني، فكلهم في ذهني."
تُعد هذه الجولة، التي تأجلت سابقًا بدافع الاحترام والعزاء للأزمة الإنسانية التي ألمّت بغزة، الأولى من نوعها وقد أتاحت الفرصة للجمهور لرؤية هذه الفنانة العابرة للأجيال، كما مكّنت الفنانة من اللقاء بالعرب في مدن مختلفة في الشتات حول أمريكا الشمالية قاطبة. قالت اليانا: "أعشق كل المدن التي أزورها الآن، فقد شهدت مختلف الثقافات العربية والعرب الذين يشاركونني تقاليدهم التي أحب تفاصيلها."
في أيام الحفلات، وبعد النوم الهانئ الطويل، تبدأ إليانا يومها بكوب من الشاي وموسيقى بيانو هادئة، وتقوم ببعض تمارين التمدد كي تستعد لإقامة العرض. وبالرغم من تحذيرات فريقها وعائلتها، إلا إنها تُصر على الغناء قبل الحفل، حيث تقول: "من الصعب ألا نغني في السيارة!" وهي تشير إلى أخيها فراس الذي يضمّ صوته إلى صوتها.
قبل صعودها إلى خشبة المسرح، تقضي الدقائق العشر الأخيرة في صمت تام، وتشاهد أحيانًا عروضًا حية لأكثر فنانين يلهمانها، بيونسيه وبرنس، اللذان يتضح أثرهما جليًا في أغانيها عندما تصعد إلى المسرح مرتدية ثيابًا بيضاء بالكامل وحولها أربعة راقصين/ات، ليصدح صوتها بطرب يذكرنا بالأيام الخوالي، فيما يشاهدها الجمهور بترقب ودهشة وسحر يحاكي افتتان الجماهير أيام أم كلثوم.
تدرك إليانا السحر الذي يتملّك جمهورها أثناء غنائها، فأخذت تقصّ علينا حكايتها من خلال الموسيقى والرقصات التي جمعت بين الدبكة والرقص الشرقي من جهة، وحركات الهيب هوب من جهة أخرى. تألقت لحظة أظهرت إحساسها العميق عندما قدمت أغنية "غصن زيتون" الموجهة لفلسطين بمرافقة عزف أخيها على البيانو، وكانت قد ألّفت هذه الأغنية بالتعاون مع أمها وأخيها وقدمتها للمرة الأولى في مهرجان الجونة السينمائي. وفيما أخذ أحد الحاضرين يلوّح بالعلم الفلسطيني، قالت إليانا للجمهور وصوتها يبوح بمشاعر فياضة: "أهدي هذه الأغنية لوطني ولأهلي."
بالرغم من صغر سنّها وحداثة عهدها في عالم الفن، بلغت إليانا منزلة أسطورية بشهادة كافة معجبيها، ولكنها تقول إن كل حركة تتخذها في مسيرتها الفنية لا بد أن تكون مدروسة ومقصودة وطبيعية: "لا أريد استعجال أي شيء. أريد أن تمضي مسيرتي ببطء محفوفة بعملي الدؤوب. أحب أن آخذ وقتي كي أكون مستعدة لما هو قادم، والقادم أعظم." ومع هذا الإجماع على تمتّع إليانا بإكسير غامض وخاص، فلا بدَّ من أن القادم أعظم بالفعل.