"ارقص فرفش": عن مشهد الجاز السوداني بين الستينيات والثمانينيات

حقق مشهد الجاز السوداني انتشارًا كبيرًا في فترة الستينيات مع عازفين وفرق شكلوا عصب هذا المشهد باستقدامهم آلات غربية والاعتماد على التأثيرات السودانية
شرحبيل أحمد
شرحبيل أحمد
Change Font Size 20

في فترة الأربعينيات والخمسينيات تأثرت الذائقة الموسيقية في السودان، تعتمد على الكثير من التأثيرات الخارجية منها الأفلام القادمة من الغرب، والفرق القادمة إلى البلاد مثل زيارة لويس أرمسترونغ، بالإضافة إلى الفاينل وأجهزة الموتوغراف. مع بداية الستينيات بدأت هذه التأثيرات بالتسلل إلى أدوات صناعة الموسيقى السودانية، والتي سيطر عليها العود والكمان والطبلة فظهرت آلات حديثة مثل الجيتار الإلكتريك والباص بالإضافة إلى الدرامز.

من هنا بدأت فرق جديدة بالتأسس، اختلفت الآراء إن كان ما قدمته جاز حقيقي أو أنه مجرد أسلوب موسيقي متأثر بالألحان الغربية، لكن ما سمي بمشهد الجاز السودان قد أنتج مقطوعات تستحق السمع والتأمل، عبر مجموعة من الفنانين المخضرمين والفرق التي تشكلت في هذه الفترة من مختلف المدن مثل الخرطوم والديوم وغيرها.

يعتبر شرحبيل أحمد من أبرز رواد هذا المشهد بعد أن أسس فرقته التي استخدمت آلات مثل الساكسفون والأكورديون، أما هو فكان عازف جيتار كهربائي موهوب، وقد قدموا عرضهم الأول في مسقط رأسه مدينة أم درمان. تميزت فرقته بالإبقاء على السلم السوداني الخماسي مع استحضار روح الجاز، بالإضافة إلى أنهم قدموا حفلاتهم برفقة راقصين استعراضيين. كما أنها كانت من أوائل فرق الجاز التي دعمت الحضور النسوي مع عارفة الجيتار زكية أبو القاسم، والتي لُقّبت بصاحبة الأنامل الذهبية. استفاد شرحبيل من طبقة صوته الملوّنة والتي اقتربت من أداء البلوز، وقد تابع مسيرته مقدمًا عددًا من الألبومات حتى بداية الألفية، كما تميّز بكتابة كلمات باللهجة السودانية ما أضاف طبقة أصالة على صوت الجاز السوداني.

من الجدير بالذكر أن المشهد السوداني كله في هذه الفترة كان بصدد التطور والاستلهام من التأثيرات الآلاتية الغربية، فقد عمل نظيره الموسيقي عثمان ألمو على تطويع إيقاعات الروك أند رول والتويست. أما بالعودة إلى مشهد الجاز، فقد شكّلت هذه الاندماجات المحلية مع الثقافة الغربية والإفريقية بتأسيس مدرسة جديدة في عمق الموسيقى السودانية، وقد ظهرت إلى جانب فرقة شرحبيل فرق أخرى منها فرقة جاز العقارب. واجهت هذه الفرق دائمًا صعوبة بالحصول على الآلات الموسيقية الغربية، إلا أنها استقدمت آلات جديدة وكان من بين أعضاء الفرقة عامر ناصر المشهور بـ عامر ساكس، وهو من أبرز العازفين على الفلوت.

لا يمكننا حصر أو رصد جميع الأسماء المساهمة في هذه الجنرا، لكن أبرزها كان الفنان كمال كيلا والذي دمج الإنجليزية مع العربية في أغانيه، كما ارتبطت كلماته بثيمات السلام والحرب بسبب الظروف الصعبة التي مّرت بها البلاد وقتها. هذا ونستطيع في مقطوعة "كفاية مزاح" أن نرصد تطور صوت الجاز السوداني في منتصف السبعينيات مع ويليام أندريه وشقيقه جوزيف، وهم ثنائي موسيقي عرف باسم بوب، وقدموا عدد من الإصدارات التي دمجت بين عناصر الموسيقى الإثيوبية مع تأثيرات الجاز السوداني.

قد يكون من الصعب رصد حركات الفرق وتشعبها داخل هذا المشهد خاصة في فترة السبعينيات، عندما تداخل العازفون لتشكيل روح المشهد النابض على ألحان الساكسوفون والفلوت وغيرها من الآلات التي انتشرت. إلى جانب فرقة جاز العقارب وأحمد شرحبيل وغيرهم، عرفت فرقة جاز الديوم طريقها إلى الشهرة المحلية من منطقتها الديوم الشرقية. تأسست سنة 1965 على يد عمر عبدو وابراهيم حسين مع عدد من العازفين، وجابت الفرقة في السبعينيات مناطق السودان وقدمت أغانيها بالعربية والإفريقية، ما عكس الترابط الثقافي والذي هو عنصر أساسي في هذه الجنرا.

انحسرت هذه الموجة عند بداية الثمانينيات، حيث منعت الدولة الموسيقى في الحفلات وأقفلت المسارح أبوابها أمام العازفين. تابع بعض الفنانين عملهم على إصدار الألبومات المتخصصة بالجاز خارج السودان. كما أن تأثير الجاز السوداني بقي مسموعًا في الجنرات الحديثة مثل الهيب هوب والأفروبيت السوداني، بسبب ارتباطه العميق بالثقافة الشعبية للمنطقة.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع