بين حادثتي أم كلثوم وشيرين: حين يتجاوز الجمهور الخط الأحمر في الحفلات

عرفت علاقة الفنان بجمهوره الكثير من التحديات في الحفلات والعروض الحيّة من الزمن الجميل وحتى اليوم، نتتبع أبرز هذه الحوادث والترندات من السيلفي إلى إلقاء الأشياء على المسرح
No Image
Change Font Size 20

ليس من السهل أن يقف المغني أمام جمهور كبير في عرض حيّ قد يستمر لساعات طويلة. يتوجب عليه خلال هذا الوقت أن يصب تركيزه مع الفرقة الموسيقية ومع مطالب الحضور وطبعًا الأداء الصوتي والتفاصيل التقنية وأحيانًا الكوريغرافي. هذا وأثبت الجمهور في الفترة الماضية أن أسلوبه بالتعاطي في هذه الحفلات صار خارجًا عن إدارة المنظمين وفريق عمل المغني الموجود إلى جانبه على المسرح ما صعب هذه المهمة على الموسيقيين، وفي وقتٍ تقبل به بعض الفنانين هذه التصرفات بسبيل إرضاء الجمهور، عبّر آخرون عن اعتراضهم عليها واعتبروها إساءة بحقهم.

إن عدنا إلى زمن الستينيات في عصر أم كلثوم وعبد الحليم، نجد أن التفاعل من قبل الجمهور كان أكثر عشوائيةً حتى. لم تمنع عاطفية جمهور الست مثلًا، الذي اشتهر بأقواله مثل "أنا جايلك من طنطا يا ست" أو "عظمة على عظمة"، من حوادث غريبة قد تسببت لها بأذى جسدي ومعنوي مثل حادثة مسرح الأولمبياد في باريس سنة 1967، عندما قرر أحد المعجبين أن يتسلق المسرح ليقبل قدميها ما تسبب بسقوطها. أو كما حدث في حفل عبدالحليم حافظ عندما طلب من الجمهور التوقف عن التصفير أثناء أدائه أغنية "قارئة الفنجان" خاصةً وأنها تتطلب تركيزًا عالي، وعاتب الحضور بعد انتهاء الأغنية لأنهم صعبوا عليه مهمة أدائها.

حصلت حوادث كثيرة من هذا القبيل في العصر الجديد من الأغنية العربية، بعد أن انتشرت الترند العصرية الجديدة بالتقاط السيلفي مع الفنان خلال عرضه الحيّ. أظهر بعد الفنانين تقبلهم للموضوع، لكن الفئة الأكبر فقدت تركيزها خلال الأداء مثلما حدث في واحدة من حفلات كاظم الساهر، عندما قررت معجبة أن تقتحم المسرح حافية القدمين وهو يؤدي أغنية "دلع النساء" فأظهر انزعاجه بعد أن أرغمته على أخذ السيلفي. كما قرر أحد من الحضور في حفلة بألمانيا خلال شهر أكتوبر/تشرين الأول 2023 أن يعكر صفو غنائه ويطلب منه السماح له بالتقدم لحبيبته وهو يحمل خاتم الخطوبة. تعاون كاظم مع الشاب وساعده لتصعد حبيبته على المسرح والتقط معهما سيلفي، لكنه بدى متوترًا ومتوجسًا خاصة وأن الحبيبين قطعا الحفلة على باقي الحضور واستغرقا وقتًا غير قصير في العملية.

هذا وكانت الفنانة فايا يونان قد تعرضت للانتقادات الشديدة على مواقع التواصل الإجتماعي، بعد أن رفضت التقاط سيلفي مع معجب في حفلة قلعة دمشق وتحولت جملتها " كلن هلأ بيجوا" إلى ميم. صرّحت في مقابلة بعد هذه الحادثة أن الكلمات خانتها بحجة أن باقي الجمهور يريد أيضًا التقاط صورة معها ولا تريد تمييز أحد. الجدير بالذكر أن جورج وسوف تعرض لموقف مشابه بحفله في قلعة دمشق، عندما بكت واحدة من المعجبات في الحضور وطلبت منه أن يسمح لها بالصعود إلى المسرح، فطلب من رجال الأمن أن يسمحوا لها والتقطت معه السيلفي، وقد حقق فيديو الفتاة وهي تبكي على أغنية "خسرت كل الناس" ملايين المشاهدات على مواقع التواصل، وانهالت عليها المقابلات بعد الحفلة. علمًا أن أبو وديع من أكثر الفنانين تفاعلًا وتعاطفًا مع المعجبين، ويتأثر دومًا بتأثرهم ومحبتهم بشكل واضح لا يخفيه.

في حفلتها الأخيرة في بيروت في 24 فبراير/شباط 2024، وقبل أن تفتتح شيرين أغنية "جرح تاني" حاولت معجبة أن تتسلق المسرح لكن رجال الأمن منعوها، بينما صدتها شيرين بكلامها "ملعون أبو الحب يا شيخة كرهتيني في الحب". لكنها قبل أن تنتهي الحفلة دعتها إلى المسرح لإرضائها، وعبّرت عن تخوفها من أن تصبح عرضةً للتعليقات السلبية على مواقع التواصل. لكن شيرين لم تسلم في الواقع، وعلّق كثيرون بعد الحفل أن سلوكها لم يكن الألطف تجاه معجبة تحبها.

أما في الفترة الأخيرة، فقد انتقل الأمر من كونه تفاعل حماسي مبالغ من الجمهور، إلى انتشار لترند عالمي مزعج، حيث تعرض الموسيقيون للضرب بأشياء ألقيت على خشبة المسرح من قبل الجمهور من الطعام إلى الهواتف المحمولة والماء وغيرها. تفاعل بعض المغنين بروح الدعابة، إلا أن أغلبهم عبّر عن استيائه مثل حادثة كاردي بي. ظهرت هذه الترند مؤخرًا في المنطقة، وقد حدثت مع فاريل ويليامز خلال عرضه الرئيسي بعد سباق الفورمولا 1 في المملكة العربية السعودية، حين بدأ الجمهور برمي الأساور عليه وعلى الفرقة الموسيقية والراقصين والراقصات، ما كاد أن يعرض الجميع لخطر التزحلق أو السقوط. حصل نفس الموقف في واحدة من حفلات محمد رمضان، حين قام أحد الحاضرين برمي شيء عليه أثناء تأدية الحركات الراقصة، لكنه تابع أدائه وكأن شيئًا لم يكن.

استمرت هذه الترندات بتغذية شبكات التواصل الاجتماعي، خاصة وأن هذه اللقطات تم مشاركتها لتجذب ملايين المشاهدات. وقد دعا عدد كبير من الجماهير في التعليقات إلى احترام الفنانين والاستمتاع بالموسيقى في العروض الحيّة، دون تقديم سلوك سيئ يشكل خطرًا على الفنان وفرقته وفريق عمله، ويفسد تجربة العرض على باقي الجمهور. وفي ظل تساؤلات عن ماذا لو أصبح السلوك السيئ في الحفلات الموسيقية هو المعيار الجديد بعد سلسلة الحوادث هذه، يبقى السؤال الأهم كيف على الفنان أن يتعامل مع الجمهور عندما يشعر بالمضايقة؟ وما هي متطلبات هذه المهمة حتى لا يصبح عرضة الانتقادات السلبية على مواقع التواصل، ويتهم بالغرور والتعالي؟

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع