يعتبر السامبلنغ ممارسة إبداعية ضمن عملية الإنتاج الموسيقي، تتضمّن اقتطاع جُزْءٍ صغير من أغانٍ وتسجيلات موجودة مسبقًا ودمجها في سياق موسيقي جديد. شكّلت هذه التقنية جزءًا أساسيًا في بعض الجنرات الموسيقية، بالأخص الهيب هوب، وساهمت في تغيير نظرتنا للإنتاج الموسيقي ومدى اتّساع حدوده في سبيل ابتكار قطع فنية فريدة. مع ذلك، تثير هذه التقنية الجدل في الساحتين الفنية والثقافية، وغالبًا ما يتم انتقادها بسبب قدرتها على استغلال عمل فني أصلي أو انتزاعه من ثقافته الأصلية وسياقها ومضمونها. يكمن التحدي بالنسبة للمنتجين إذن في التمييز بين الاستلهام الفني والاستعارة العشوائية التي قد تفتقد إلى الاحترام والتقدير اللازمين للسياق الثقافي الأصلي.
بدورها، كانت الأغاني العربية عرضة لأن تُستعار أو تُقتبس ضمن أطر فنية مختلفة، نظرًا لتنوّعها وغناها ونظرة الغرب إليها وإلى الموسيقى الشرقية عامةً على أنها إكزوتيك. غالبًا ما تصاحبت هذه الاستعارات مع عدم اكتراث المنتجين الغربيين بحقوق الملكية الفكرية للفنانين الأصليين العرب، أو عدم قدرتهم على إتمام هذه الاستعارة بالطريقة الصحيحة، إذ يصعب تعقب صاحب الموسيقى الأصلية وترخيصها في بعض الحالات مع تواضع جهود تسجيل وإدارة حقوق الملكية في العالم العربي.
جمعنا في هذه القائمة بعضًا من هذه الأمثلة، وعلى الرغم من أنها ليست شاملة إلا أنها تضمّ السامبلز الأبرز والأكثر إثارةً للاهتمام عبر العقود الماضية.
فريد الأطرش - أول همسة / ذَ بيتلز - Revolution 9
تراك Revolution 9 هو فسيفساء تجريبية صوتية من ألبوم البيتلز الذي صدر في عام ١٩٦٨ و يحمل اسم الفرقة، كما يعرف أيضًا باسم الألبوم الأبيض نسبةً إلى صورة الغلاف. شكّل جون لينون صوت التراك بشكل أساسي بمساعدة يوكو أونو وجورج هاريسون. كان الهدف من هذه التجربة بحسب تصريح لينون محاولة رسم صورة لثورة ما باستخدام الصوت، وهي التراك الأطول بين أغاني الفرقة وتتعدّى مدتها الثماني دقائق. تعتمد الأغنية بشكل كبير على العديد من الأصوات المضافة إلى أغنية Revolution 1 - Take 18 للفرقة بما في ذلك أصوات غنائية مضافة بصورة مبالغ بها، وأصوات لأجزاء من أحاديث، ومؤثرات صوتية كثيرة، ومقاطع من أغانٍ أخرى منها مقطع من أول همسة لفريد الأطرش المستخدم في كلتا الأغنيتين.
محمد الحنش - سيدي منصور / بوني إم - Ma Baker
كتب فرانك فاريان وأنتج معظم أغاني وألبومات بوني إم، فيما كان هانز-جورج ماير مساعده ويده اليمنى. بحث هانز دومًا عن أغانٍ من جميع أنحاء العالم، وبالأخص ألحان الفولكلور غير المحمية بحقوق الملكية الفكرية ليقوم بإعادة صياغتها لصالح فرقة بوني إم. وفي إحدى عطلات هانز الصيفية في تونس، وصلت إلى مسامعه أغنية سيدي منصور التي تضرب جذورها في التراث التونسي عبر مئات السنين، وتمجد كلماتها أحد أولياء الله الصالحين. أُديت الأغنية بعدة لغات بما في ذلك اليونانية والألبانية والتركية والصربية، وحافظت على شعبيتها مع تعاقب الأجيال، بالأخص بعدما ازدادت شعبيتها حين بثَّ فيها صابر الرباعي روحًا جديدة بإصدار نسخته الخاصة منها عام ٢٠٠٠ حتى باتت تنسب إليه.
بالعودة إلى هانز، فقد استمع إلى لحن الأغنية في تونس وأعجب به وبإيقاعه الفريد، فعاد بها إلى استوديو التسجيل وبنى أغنية Ma Baker من نسخة محمد الحنش على وجه التحديد، بعد اقتباس الهوك كما هو.
حققت Ma Baker نجاحًا تجاريًا كبيرًا بمجرد صدورها عام ١٩٧٧، وأرست مكانتها كأغنية لا تُنسى من حقبة الديسكو، ويعزي الكثيرون نجاحها إلى إيقاعها اللحني المميز من تراث شمال إفريقيا. أما كلمات Ma Baker فهي تروي قصة حقيقية عن كيت باركر، امرأة في ولاية ميزوري، تزوجت من جورج باركر، وأنجبا معًا أربعة أبناء، لتتحول العائلة لاحقًا إلى عصابة مشهورة. بعد إطلاق الأغنية بعام، قامت الفرقة بجولة موسيقية في أربعة بلدان عربية هي سورية ولبنان والكويت والأردن.
أصالة - مشيت سنين / آيساب روكي - 1Train
انتظر الكثيرون إصدار آيساب روكي لهذه الأغنية من ألبوم LONG.LIVE.A$AP التي جمعت أسماء بارزة من عالم الهيب هوب، إذ اشترك آيساب بأدائها إلى جانب كيندريك لامار وجوي باداس ويلاولف وداني براون وآكشن برونسون وبيج كريت. أما بيت الأغنية فهو من إنتاج هيت بوي الذي انتشر اسمه عقب إنتاجه لأغنية N*ggas in Paris.
استعان هيت بوي بأصوات الكمنجات من مطلع أغنية مشيت سنين لأصالة، فسرّعها وأضاف إليها البيت، لتكون حجر الأساس الذي تؤدي عليه هذه الثلة من الفنانين. ما من معلومات واضحة عن كيفية وصول أغنية أصالة إلى يد آيساب روكي وهيت بوي، أو إن كانت أصالة على علم بوجود هذا السامبل، كما هي الحال في الكثير من أغاني الهيب هوب حيث يستعين المنتجون بأغانٍ من مختلف بقاع العالم دون تنسيق مع صاحبها الأصلي.
آوتلانديش
تحتل فرقة آوتلاندش جزءًا كبيرًا من هذه القائمة مع خمس أغانٍ تضمنت مقطعًا أو جملة لحنية من أغانٍ عربية. يظهر الأمر منطقيًا نظرًا لكون عصام بشيري، أحد أعضاء الفرقة المكوَّنة من ثلاثة أفراد، من جذور مغربية. دائمًا ما تتناول أغاني الفرقة مواضيع تتعلق بالعالم العربي، وأبرزها Look Into My Eyes، التي تتناول القضية الفلسطينية أو أغانٍ تستعين بألحان شرقية بشكل عام.
أشهر هذه الأغاني الخمس هي Callin' U المأخوذة عن لحن أغنية تملي معاك لعمرو دياب التي حقٌّت أصداء عالمية عام ٢٠٠٠. كتبت الفرقة كلمات مختلفة للحن ذاته وأطلقت أغنيتها عام ٢٠٠٥. قدَّمت إليانا مؤخرًا كوفرًا يدمج الأغنيتين معًا خلال حفلها على مسرح إل راي في لوس أنجلس.
استعملت الفرقة أيضًا سامبل من أغنية داتني السكرة داتني للشاب خالد، التي تحكي عن حياته كرجل من دون عائلة وأولاد، في أغنيتها Eyes Never Dry. لم تكن تلك الأغنية الوحيدة لملك الراي التي ألهمت الفرقة، فقد استعانت أيضًا بأغنية عبدالقادر للثلاثي رشيد طه والشاب خالد وفضيل في تقديم أغنيتها Rock All Day.
أما أغنيتها Fatima's Hand فتتناول توقّعات الزواج المبكر والضغوط المجتمعية التي تُمارَس على الشاب في هذا الإطار، وتجسّد القصة شخصيات مثل فاطمة وأخيها وأمها. أما لحن الأغنية فهو مستقى من مقدمة الجيتار العبقرية التي أداها عمر خورشيد ولحنها عبد الوهاب في أغنية أم كلثوم ودارت الأيام. وختامًا، استعارت الفرقة في أغنية Keep the Record on Play لازمة أغنية تترجى فيا لإيهاب توفيق.
فيروز - ترتيلة اليوم عُلِّق على خشبة / مادونا - Erotica
ضمن واحدة من أشهر قضايا السرقة الموسيقية في التسعينيات، يُقال إن قامت فيروز بمقاضاة مادونا لاستخدامها سامبلًا من الترتيلة الدينية اليوم علق على خشبة العائدة إلى العام ١٩٦٢ في أغنيتها إيروتيكا، التي صدرت عام ١٩٩٢. لم تقتصر القضية هنا على استخدام مادونا مقطعًا لفيروز دون إذن أو اعتبار لحقوق الملكية الفكرية، بل شكّل توظيف ترنيمة دينية في أغنية جريئة مليئة بالإيحاءات أمرًا صادمًا.
الغريب في الأمر أن مادونا كانت قد استعملت المقطع ذاته في أغنية The Beast Within قبل ذلك بعامين ومرَّت مرور الكرام، لكن أغنية Erotica هي التي لفتت انتباه فيروز لرفع دعوى قضائية عليها دون الأخرى. يُقال إن الدعوى لم تصل أبدًا إلى المحاكم، وتم سحب ألبوم مادونا من جميع الأسواق اللبنانية حينها. وفي رواية أخرى، يُذكر أن القضية انتهت بدفع مادونا ٢.٥ مليون دولار كتعويض. وبحسب مقالة نُشِرَت في بيلبورد عام ١٩٩٣، فإن فيروز اكتفت بالتهديد دون أن ترفع دعوى قضائية فعلًا.
وردة - بتونس بيك / بريتني سبيرز - My Prerogative
استقى الثنائي بلودشاي & أفانت الذي أنتج أغنية My Prerogative لبريتني، عام ٢٠٠٤، وصلة الكمان من بتونس بيك لوردة، الصادرة قبل عام. وتجدر الإشارة هنا إلى أنه من المرجح أن الثنائي كان قد استمع إلى وصلة الكمان تلك في أغنية آليا التي استخدمتها أيضًا. . نسمع اللحن الخالد لصلاح الشرنوبي في لازمة أغنية بريتني فقط، ولا تشكّل عنصرًا بارزًا في نجاح الأغنية، التي هي بالأساس كوفر لأغنية بنفس الاسم لبوبي براون.
نجاة أعتابو - هذي كذبة باينة / ذَ كيميكال بروذرز - Galvanize
قدمت نجاة أعتابو أغنية هاذي كذبة باينة سنة 1995 من كلماتها وتلحينها وغنائها. استعمل الثنائي ذَ كيميكال بروذرز لحن الأغنية عام ٢٠٠٤في تراك Galvanize دون اعتبار حقوق الملكية الأصلية. منذ ذلك الوقت ونجاة تخوض معركة قانونية، رافضةً هذا التعدي والانتهاك، حتى فازت مؤخرًا بالقضية في سابقة نادرًا ما نشهدها في العالم العربي. حصلت أعتابو بفوزها على حقوق توزيع الأغنية، ومقابل مالي لكل مرة يتم تشغيلها في مهرجان أو على الراديو أو التلفزيون.
سيد درويش - الحلوة دي / جوت ذَ بيت - Stamp On It
قد يكون هذا التقاطع الفني هو الأضعف في هذه القائمة، فالسامبل الذي استعملته فرقة جوت ذَ بيت الكورية لأغنية الحلوة دي للسيد درويش لا يضفي تأثيرًا ذا مغزى على الأغنية، ولم يوظّفه المنتج بشكل ذكي. اقتصر السامبل على استحضار كلمات "كو كو كو كو بالفجرية" فقط. كما يبدو أن الصوت لا يعود لفيروز أو أميمة الخليل، إذ تمت على الأرجح إعادة تسجيل الجملة بصوت إحدى عضوات الفرقة.
راغب علامة - يا بوي / فوكسي براون - Hood Scriptures
بعكس باقي الأغاني على هذه القائمة التي ترى السامبل على أنه استعارة لبضعة ثوانٍ موسيقية من الأغنية الأصلية، فإن السامبلينغ الذي قدّمته فوكسي براون في هذه الأغنية يكاد يكون أقرب إلى ديو مع راغب علامة. تعطي الفنانة مساحة كبيرة من الأغنية لأداء راغب في الأغنية الأصلية، بل وتمنحه اللازمة حتى وهو يغني بحزن ولوعة "سهران أنا وحدي" لتردّ عليه فوكسي، وتكمل أداءَها بكلمات الراب المعتادة عن كونها الأفضل والأكثر ثقة بين منافسيها.