يُفتقد البدر: رحيل الأمير بدر بن عبد المحسن بعد مسيرة شعرية غنية

رحل عن عالمنا يوم أمس الشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن بعد صراع مع المرض عن عمر 75 عاماً تاركًا بصمته في المشهد الثقافي في المملكة والعالم العربي بأكمله
الأمير الراحل بدر بن عبد المحسن
الأمير الراحل بدر بن عبد المحسن
Change Font Size 20

ما بين الكلمة وقوافيها وهب الشاعر الراحل الأمير بدر بن عبد المحسن عمره للشعر ولكتابة قصائد ستظل خالدة عبر الزمن، لتشهد على إبداع مهندس الكلمة كما يحب كثيرون أن يسمّوه. إذ يقول في قصيدته على آخر تراب الأرض: "على آخر تراب الأرض/ على الميهاف/ ومرتني الليالي خفاف/ عدَّت عمري المعدود/ دِريت ان الَمدى محدود"، وكأنه يلخص خبرة مسيرة حياة بأسلوب لا يخلو من براعة وإبداع.

ولد الأمير بدر عبد المحسن في الثاني من شهر أبريل/ نيسان في العام 1949 في حي الفوطة، وكبر في جو شعري مع والده الأمير الشاعر عبد المحسن بن عبد العزيز. كانت دراسته الابتدائية ما بين بلده السعودية ومصر، وتابع الدراسة في المرحلة المتوسطة في الاسكندرية ليعود إلى جدة لاستكمال المرحلة الثانوية، ويتم الدراسات العليا بين بريطانيا والولايات الماحدة الأمريكية.

بدأ حياته كفنان تشكيلي، وهذا ما يجهله الكثيرون عن بداياته. وابتدأ مسيرته المهنية بتعيينه أول رئيس لمجلس إدارة الجمعية السعودية للثقافة والفنون، ما بين عامي 1973 و1977، ورئيساً لتنظيم الشعر في السعودية.

امتدت مسيرة شاعرنا لربع قرن، خلّد فيها لأسلوب شعري متفرد بين أبناء جيله من الشعراء. وتُعد أربعة دواوين شعرية من أهم ما نشره طوال مسيرته كشاعر وفيّ للقافية؛ ديوان "ما ينقش العصفور في تمرة العذق" في العام 1989، و"رسالة من بدوي" في العام 1990، و"لوحة ربما قصيدة" في العام 1996، و"ومض" في العام 2010.

في حب الوطن، ألّف الأمير بدر قصائد وطنية على مدى عقود ومن بينها الأغنية الوطنية الشهيرة "فوق هام السحب" التي غنّاها الفنان محمد عبده، بالإضافة إلى مشاركاته المميزة في مهرجانات الجنادرية التي كانت آخر مشاركة له فيها في نسخته لعام 1439ه /2017 م.

لم يكتفِ بأن تُخلد قصائده على الورق بل منحها بُعداً أكبر من خلال أصوات غنائية تغنّت بها وأطربت بكلماتها مختلف الأجيال. يظهر تأثيره في الأغنية السعودية جليًا، كونه المؤلف لأغاني شهيرة نذكر منها "ليلة لو باقي ليلة" للفنان عبد الرب إدريس، التي ردّدها الجمهور من المغرب إلى الخليج وغنى من قصائده الفنان القدير محمد عبده ثلاثة من أشهر الأغاني "أبعتذر" و"وين أحب الليلة" و"موعد الأحباب".

لا يمكن إلا الإشادة بإسهامات الشاعر الراحل في القصيدة الغنائية، إذ أنه اختار أن يؤسس للقصيدة الشعبية على منوال يتوافق مع شروط الأغنية. فكتب الأغنية القصيدة في قصيدته "لا تجرحيني"، لتكون البداية ويكون تلقيها في الوسط الغنائي السعودي والخليجي مُبهراً، ويفتح بذلك باباً مجدداً في النصوص الغنائية في السعودية.

أسس الأمير الشاعر مؤسسة الأمير بدر بن عبد المحسن الحضارية في العام 2017، وهي مؤسسة ثقافية غير ربحية، أخذت على عاتقها مسؤولية نشر الثقافة والفنون واحتضان المبدعين السعوديين من أجل إشعاع ثقافي يصل إلى العالمية.

لم يبخل النقاد في وصف شعر البدر، إذ قال عنه الناقد محمد الظفيري: "إن ما جعل الأمير الشاعر البدر يحظى بشاعرية مختلفة يتلخص في ثقافته الشعرية التي مكنته الوصول لما يريد بأيسر الطرق، علاوة على قدرته الفذة في صياغة جمله الشعرية وعباراته الأسلوبية بشكل لا تجعل المتابع الحذق الماهر يلحظ بأنها أي تشويش لغوي أو ارتباك شعري بالإضافة لوجود خيال شعري منحه مساحة للتأمل والحركة".

كُرم بدر بن عبد المحسن في العام 2019 ثلاث مرات، الأولى من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز بمنحه وشاح الملك عبد العزيز. وفي نفس العام كرّمته منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة -اليونسكو- تزامناً مع مناسبة اليوم العالمي للشعر، لمساهماته الشعرية الفنية الثقافية المتفردة، التي امتدت لأكثر من 40 عاماً.

أما التكريم الثالث فكان من الهيئة العامة للترفيه في ليلة بعنوان "ليلة الأمير بدر بن عبد المحسن: نصف قرن والبدر مكتمل". وقد أعلن فيها رئيس الهيئة العامة للترفيه تركي آل الشيخ تسمية المسرح المبني خصيصًا لهذه المناسبة بمسرح الأمير بدر بن عبد المحسن. وفي العام 2022 بعد صدور أعماله الكاملة، و بإشراف من مؤسسة بدر بن عبد المحسن الحضارية، ومباردة هيئة الأدب والنشر والترجمة، تمّت ترجمة هذه الأعمال الشعرية إلى اللغتين الإنجليزية والفرنسية، من خلال لجان متخصصة، لنقل تجربة الأمير بدر بن عبد المحسن الشعرية إلى العالمية.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع