في حفل أقامته في ذا فريدج في دبي مؤخراً، اختلط صوت آمال مثلوثي الملائكي بصوت المطر المنهمر على سطح المكان، فمازحت الجمهور قائلة: "هذا جزء من المؤثرات الصوتية للعرض". علت الضحكات بعد تعليقها، إلا أن الدموع على الوجوه المبتسمة لبعض الحاضرين لم تكن جفت بعد، فصوت آمال وكلماتها التي حملت آلامهم وأحلامهم حركت فيهم تلك الليلة ما لا تيقظه إلا موسيقاها.
جاء حفل آمال ضمن جولة موسيقية عالمية، بدأتها في مدينة أنقرة التركية، ثم لاقت فيها جمهورها العربي في حفلين متتاليين في أبوظبي ودبي، قبل أن تسافر إلى أستراليا، وتعلن بأنها ستستمر بها في الولايات المتحدة. ومع كل حفل، قدّمت ابنة تونس عرضاً ملؤه الغناء والعزف والتمايل على الألحان التي رسمت بها خطها الفني المتفرد. فالصوت العذب وموهبة الغناء تحديداً لم تكن يوماً الملكة الوحيدة في يد آمال عند امتهانها الفن، فهي تكتب وتعزف وتنتج موسيقاها، لحرصها على أن تبقى كلمتها حرة، دون أي قيود. "من المفيد جداً إن الفنان تكون عنده القدرة يكون مستقل، وأحس بالأمر اليوم أكثر حتى من قبل، فأنا هاك كيفاش بديت" تعلّق آمال قائلةً في لقاء حصري لبيلبورد عربية، في غرفة صغيرة خلف خشبة مسرح ذا فريدج، وتتابع: "بديت نكتب شوية طبعاً، شوية بشوية قلت أوكي، لازم نكتب، بعدها لازمني نلحن، بعدها أوكي، لازمني نعزف غيتار، أوكي لازمني نتعلم كيفاش نسجل، أوكي لازمني نتعلم كيفاش نعمل توزيعات، وبشوية بشوية يعني كانت للضرورة مش اختيار".
حرية آمال التي دفعتها للابتكار، وجدت من خلالها التجربة الصوتية الأقرب لها، والتي مكّنتها من شق طريقها الخاص في الموسيقى، فهي تقول: "المشروع متاعي تحول من مغنية، مؤلفة، موزعة، منتجة، تحول إلى عمل متعلق بتصميم الصوت فعلياً" ولعل هذا ما مكنها من إنتاج الموسيقى الخاصة بها بشكل كامل في 2020، عندما أصدرت أغنية "حلم"، في الوقت الذي شهد العالم صمتاً طاغياً بالتزامن مع الإغلاق العام في فترة كورونا، فوصل لحنها وكلماتها إلى شتى أرجاء المعمورة. "أنا كنت وقتها ما عنديش أدوات للتسجيل، كنت عندي مسجل صغير، وجيتار للمبتدئين، أوتاره من النايلون، واللي هي ما عزفتهاش من وقت طويل، فكان أمراً صعباً جداً، حسيت إنه لازمني نسجلها وبعد قلت لازم أصور فيديو، فطلعت فوق السطح متاع دارنا، وكان لدي عشر دقائق قبل الغروب، وصورت مرتين، وكنت وحدي، طلعت الكرسي وطلعت الغيتار، ما ستعملتش الغيتار في الآخر، لذا كنت أستعمل الكومبيوتر، وننظر للتليفون، سجلتها بالتليفون، وصورت مرتين، والمرة الثانية الحمدلله كانت الصحيحة، لم تكن لدي أي توقعات بصراحة، بعد خرجتها ومكسجت الصوت الأصلي مع صوت العرض الحي."
أغنية حلم عادت لتتصدر العناوين، بل وحتى أنها وصلت لقائمة بيلبورد عربية هوت 100 مؤخراً، لتحتل المركز الـ 58 هذا الأسبوع، بعد أن غنتها إحدى شخصيات مسلسل "مدرسة الروابي للبنات" بجزئه الثاني، في لحظة عاطفية، غيرت من سياق الأحداث وعكست مراكز القوى فيها. علّقت آمال على ذلك قائلةً: "أنا كنت متواصلة مع تيما الشومالي من مدرسة الروابي من الموسم الأول، تيما وشيرين تواصلوا معي وحبوا ياخذوا أغنية ما لقيت في الموسم الأول، فكانت عنا علاقة وبعد أنا تفرجت في مدرسة الروابي عجبتني عالآخر، وتفاهمنا خاطر هي تجربة نسائية، كيتشوف الكريدتس، هو مشروع نسائي قوي، فاحنا تفاهمنا برشا في الحكاية دية،" وتتابع: "كي طلع الموسم الثاني، بالتأكيد وقت اللي اتصلوا بينا وحبوا على برشا أغاني أكيد فرحت وهذا المشروع أنا أدعمه 100%، وبعدها حبوا قالوا حلم تغنيها وحدة من الشخصيات."
لكن آمال لم تمتلك أية تفاصيل حول السياق الدرامي للأحداث أو كيف ستوظف الأغنية فيها، لتفاجىء كما الجمهور وتعجب بأداء رنيم هيثم للأغنية: "هي تجربة تبعث على التواضع للفنان تشوف ناس آخرين يغنوا في أغنياتك، وأكثر يعني يغنوا في أغنياتك ويتأثروا بها."
لكن رغم تأثير موسيقاها بالكثيرين، بعد مرور عقد من الزمن على امتهانها للفن، شعرت آمال بما وصفته بالتقصير تجاه النساء، كون تعاوناتها لم تشمل نساءً بالقدر الذي كانت تتمناه: "عنا نقص، مش كان في العالم العربي، في العالم كله عنا نقص كبير، في فرص أقل للنساء بصفة عامة، وأكثر للمنتجات والرابرز الإناث، والقائمة تطول" وهذا ما دفعها للعمل على ألبومها الرابع، الذي شمل تعاونات مع 24 امرأة من حول العالم، ليكون قد صنع بالكامل على أيدٍ نسائية. "الفكرة في الألبوم جات شوية بشوية، أن المنتجات والموسيقيات بصفة عامة في الألبوم هذا كانوا مثلاً من مالي، من نيجيريا، من إيران، خاطر أنا من تونس نحس روحي يعني تونسية، عربية، أفريقية، من العالم، نيويوركية، أوروبية، عندي يعني العديد من الأوجه، حسيت يعني أن علي التواصل لبناء جسور بين تونس مثلاً ومالي، خاطر ما عناش تعاونات فنية مثلاً مع فنانين عرب وفنانين من مالي ولا نيجيريا، يعني اللغة العربية، ما صاروش تعاونات من هاك." فآمال لم تعتمد التوجه نحو التعاونات النسائية لمجرد التعاون مع نساء أخريات، إنما عزمت على إتاحة الفرصة للنساء من خلال ألبوم "MRA" أو كما يتم لفظه "مرا" ليتم تسليط الضوء عليهن من منطلق ثقافي وإبداعي شامل، يعطي مجالاً أكبر للمرأة في المشهد الموسيقي، كي تمارس فنها سواء كان في الغناء أو العزف أو الإنتاج أو غيره. "أظن هذه أول مرة يتعمل ألبوم 100% بأيدي نسائية،" تفتخر قائلة، لتكمل: "أول نقطة كانت استأجرت دار في الريف واستدعيت المنتجات، كل وحدة تجي نهارين ثلاث أيام، ونقعدوا وحدنا، بلا أي ملهيات أو أي شيء، واحنا من الأساس ما نعرفوش بعضنا، لذا كان أشبه بالمقامرة، باش نفطروا مع بعضنا، نقوموا مع بعضنا، نشربوا قهوة مع بعضنا، نخدموا موسيقى مع بعضنا، ليكن الأمر شاملاً، فمهم جداً أن يكون لدينا حس دعابة مشترك، نعملوا جو خاطر، ففي نهاية اليوم باش نقعدوا نخدموا موسيقى مع بعضنا هي تجربة أكثر منها إنسانية."
وضمن هذا التوجه، أصدرت آمال أغنية نار بتاريخ 8 مارس/ آذار، ليتزامن إطلاقها مع اليوم العالمي للمرأة، إذ تعاونت فيها مع الرابر المالية آمي يريوولو. أما تالياً، تملك آمال مشروعًا أكبر ينبع من شغفها بالموسيقى ومن دفاعها المستمرعن الفرص المتساوية التي تستحقها المرأة في صناعة الموسيقى، ألا وهو تقديم موسيقى للأفلام. "هذا نداء لكل المخرجات ومنتجات الأفلام، عطونا فرصة، خاطر كفنانات بإمكاننا نحن أيضاً أن نصنع موسيقى للأفلام والمسلسلات، فهذا حلمي التالي".