لا تُحبذ كوين جي أن تُرى بالكامل، وغالبًا ما تستتر خلف قناع أو نظارات كبيرة تُخفي نصف وجهها، كأنها تختار الغموض عمدًا. لا تظهر في مقابلات، ولا تحيي حفلات، لكنها في المقابل لا تختبئ في صوتها، بل تمنحه مساحة كاملة للصراخ والسخرية والتمرد، لتؤكد بكل عمل على جرأتها في التعبير.
في مشهد الموسيقى الخليجية الذي يحافظ على تقاليده إلى حد كبير، تبرز كوين جي، كاسم مختلف، مع اللون الغنائي الجريء الذي تقدمه، والذي تُطعّم فيه الراب باللهجة والعناصر الموسيقية الخليجية المحلية، في مزيج تُطلق عليه اسم "الكوينجاوي"، وهو أسلوب خاص بها، لا يشبه أحدًا سواها. ومع صدور أحدث تراكاتها "جن" قبل أيام، قررنا العودة لاستكشاف رحلتها منذ بداياتها، والتي تجعلها اليوم من التجارب النسائية النادرة في الهيب هوب الخليجي.
بدأت كوين جي رحلتها الفنية فعليًا في عام 2016، عندما أطلقت "N Dab"، التي بدت كتجربة صوتية شبابية أكثر من كونها مشروعًا فنيًا متكاملًا. لكن الانطلاقة الفعلية التي وضعتها على الخارطة جاءت في وقت لاحق، بعد إعلان "ماغ كافيه هاوس"، الذي كان النافذة التي أطلت منها على جمهور أوسع، لتُثبت على مهارتها الخاصة بالراب الخليجي، الذي يكاد يكون حينذاك حكرًا على الرجال.
هذا الظهور المميز لفت الأنظار إليها، وفتح لها أبوابًا داخل وسط الراب في الخليج، ومهّد لتعاونها مع أسماء مؤثرة في المشهد، كان أبرزها تعاونها مع بلاكبي في أغنية "أوكي" مطلع عام 2020. وعلى الرغم من أن خطواتها ظلت بطيئة ومتقطعة، فإنها كانت مدروسة، تُبنى بحذر، إلى أن انفجرت شعبيتها بشكل كبير في صيف 2020 من خلال أغنيتها الأشهر "طرشولة".
تجاوزت الأغنية حدود مشهد الراب الخليجي وجمهوره، لتكون واحدة من أبرز هيتات السنة، بسبب طبيعة الأغنية المرحة، التي تُعيد تشكيل العلاقة بين الراب الخليجي والإيقاعات الشرقية، وتعتمد بصريًا على مقاطع فيديو أيقونية محفورة بالذاكرة، أُعيد تجميعها وتشكيلها لتكوّن لوحة فنية مألوفة بالذاكرة الجمعية ومُثيرة للبهجة.
أداؤها الصاخب والاندفاعي لا يأتي من فراغ، بل يستند على استيعابها الجيد للإيقاع الشرقي وكيفية إدماجه مع عناصر من موسيقى الهيب هوب أو البوب الغربي، فتنتج أغنيات ذات طابع خاص تخطف الانتباه سريعًا. في أغانيها، يُمكن سماع خيوطًا صوتية تنتمي إلى ثقافات متعددة، لكنها تُخيطها بخيط كويتي واضح، يُعطيها خصوصيتها. هذا الأسلوب يضعها في منطقة فريدة بين مغنيات الراب حيث يبدو حضورها مليئًا بالمفارقات: تبرز دون أن تظهر، تصرخ دون أن ترفع صوتها كثيرًا.
شهد عام 2021 تأكيدًا على صعود كوين جي، من خلال تعاون لافت مع النجمة بلقيس في أغنية "حالة جديدة"، لتقتحم رسميًا مشهد البوب الخليجي. لكن هذه الخطوة الكبيرة، لم تؤثر على كوين جي ومسارها الفني، لتواظب بعد ذلك طرح المزيد من الأغاني التجريبية الخارجة عن المألوف.
في العام نفسه، تابعت مسارها بإصدار أغاني ذات بنية فنية غريبة مثل "ول"، وتابعت مسارها الفني الذي يحكمه المزاج الخاص بتقديم إصدارات منفردة على فترات متباعدة، بعضها يصيب وبعضها يخيب، لتتمكن من إضافة المزيد من الهيتات، مثل "خيبة" و"الغوري"، وذلك من دون أن تتعمد إعادة وصفة النجاح، فكل أغنية لها مزاج خاص يحكمها.
كوين جي ليست فقط مغنية، بل فنانة شاملة تدير مشروعها بالكامل؛ تكتب كلمات أغانيها وتؤديها بصوتها وتشرف على إنتاجها الموسيقي وحتى البصري، لتظهر أعمالها دائمًا ككيان متكامل يحمل توقيعها وحدها. نتاج هذه التجربة خاص جدًا وخارج عن المألوف، مما يوحي أن ما تصنعه كوين جي ليس مجرد خيار موسيقي، بل هو تمرد فني مقصود على السائد، وتعبير عن هوية مزدوجة تسير بثقة بين الشرق والغرب، أو بين الهوية الثقافية المحلية والانفتاح.