في ظلّ جائحة كورونا، تشكلت موجة موسيقية جديدة في بلاد الشام اكتسحت السوق خلال الأعوام الأخيرة. برز فيها عدد من الفنانين مثل الشامي والسيلاوي والأخرس وبيغ سام وعصام نجّار ونويل خرمان. قدَّم هؤلاء الفنانين موسيقى جديدة ومبتكرة تختلف كليًا عن تلك التي كانت سائدة في السابق. كان لموسيقى الليفانتين بوب ملامح واضحة مع نجوم مثل وائل كفوري ونجوى كرم وعاصي الحلاني ونوال الزغبي؛ الذين ساهموا برسم ستايل أغاني بوب تطور بشكل طبيعي من موسيقى الزمن الجميل في بلاد الشام وصولًا إلى حقبة التسعينيات، ليألف الجمهور موسيقاهم ويتعلق بها. ولكن الموجة الجديدة جاءت بمفردات جديدة وستايل موسيقي مختلف، تطورت بعيدًا عن موسيقى الليفانتين بوب في العقود الثلاثة الأخيرة.
ما يميز هذه الموجة هو أن معظم نجومها بدأوا مسيرتهم في جنرات موسيقية بعيدة عن البوب؛ فالشامي وبيغ سام وسانت ليفانت مثلًا بدأوا في مجال الراب، في حين أن السيلاوي وعصام نجّار بدأوا في موسيقى الاندي. هذه البدايات المختلفة أتاحت لهم خلق موسيقى متميزة ومنفتحة على الأشكال الموسيقية المتعددة، التي مهدت لها فرق وفنانو الآندرغراوند سابقًا، ولاسيما في العقد الماضي. سمح حينها المناخ السياسي والاجتماعي العام مهيئًا لاستقبال موسيقى جديدة في ظل ثورات الربيع العربي، لتُساهم تجارب فنانين كعزيز مرقة ومشروع ليلى وأوتستراد وأدونيس في رسم ملامح الفضاء الموسيقي العام في المنطقة.
يتقاطع نجوم الموجة الجديدة بالعديد من الأفكار ولديهم سمات بارزة، منها تعدد مواهبهم؛ فدورهم لا يقتصر على أداء الأغاني فقط، بل يكتبون كلماتها ويلحنوها بأنفسهم. هذا الأمر منحهم قدرة على التعبير عن أنفسهم بشكل أكبر وأكثر صدقًا، كما أتاح لهم التحكم الكامل في إنتاجاتهم الموسيقية وتقديم رؤى فنية جديدة ومبتكرة.
نجاحات نجوم الموجة الجديدة في الليفانتين بوب تجاوزت الحدود المحلية، ليحظوا بانتشارًا واسعًا على مستوى الوطن العربي يتخطى في الفترة الأخيرة نجاحات الأسماء البارزة لنجوم سبقوهم. يمكن ملاحظة ذلك من خلال متابعة أدائهم على قوائم بيلبورد عربية التي تعكس بيانات الأغاني الأكثر استماعًا، حيث كاد الشامي أن يتصدرها في أكثر من مناسبة، ووصلت ثلاثة من أغانيه إلى المراكز العشرة الأولى، التي حقق تواجدًا ثابتًا فيها مُنذ أن تم إطلاق القوائم في نهاية سنة 2023.
كذلك، زاحمت أغاني السيلاوي وعصام نجّار أغاني نجوم الصف الأول في العالم العربي، وحجزت أماكنها في قائمة بيلبورد عربية هوت 100، مما يؤكد على الإنجازات الكبيرة التي تحققها هذه الموجة. إذ تحجز أغنية السيلاوي الأخيرة، "الفي" مكانًا ثابتًا في قائمة بيلبورد هوت منذ أن تم إصدارها قبل سبعة أسابيع، ووصلت لأعلى مركز لها بالمرتبة 54، وتتواجد هذا الأسبوع في المركز 72. وتواجد عصام نجّار لعدة أسابيع على قائمة بيلبورد عربية هوت 100 أيضًا، بأغنية "حضل أحبك" التي مضى على إصدارها أكثر من 3 سنوات.
وعلى قائمة بيلبورد عربية 100 فنان يظهر نجاح نجوم موجة البوب الليفانتين الجديدة بشكل أوضح، فالشامي زاحم على صدارة القائمة إلى جانب عمرو دياب وشيرين عبد الوهاب، ووصل إلى أعلى ذروة في المركز الثاني، ولم يبتعد أسبوعًا واحد عن المراكز العشرة الأولى. كما أن العديد من نجوم هذه الموجة حضروا بالقائمة مثل السيلاوي وبيغ سام والأخرس، فضلًا عن النجاحات الكبيرة التي حققها نجوم بلاد الشام المغتربين ومتعددي الثقافات على قوائم بيلبورد عربية، والذين يتقاطعون بستايل الموسيقى وأساليب الإنتاج مع فناني هذه الموجة الجديدة، ونذكر هنا سانت ليفانت وإليانا، اللذان يحجزان مكانًا ثابتًا على قائمة بيلبورد 100 فنان، ودخلت العديد من أغانيهم قائمة بيلبورد هوت 100 بعد أن أصدرا ألبومات جديدة في الآونة الأخيرة.
تعتبر الموجة الجديدة في بوب الليفانتين ثورة موسيقية حقيقية في بلاد الشام. هؤلاء الفنانون الشباب الجدد استطاعوا تقديم موسيقى مختلفة وجديدة، متحررين من الأنماط التقليدية ومقدمين إبداعاتهم الخاصة. تعدد مواهبهم وقدرتهم على كتابة وتلحين أغانيهم بأنفسهم، بالإضافة إلى نجاحاتهم الكبيرة على مستوى العالم العربي، جعلتهم يشكلون قوة موسيقية جديدة تفرض نفسها بقوة على الساحة الفنية. هذه الموجة الجديدة ليست فقط انعكاسًا لتحول موسيقي، بل هي أيضًا تعبير عن روح جديدة وجدت جمهورها بين أبناء الجيل زد على وجه الخصوص.