تشعر وأنت تتحدث مع سانت ليفانت أنك جالس أمام شخصيتين. في لحظة تسمع مروان عبد الحميد (اسمه الحقيقي) بصوته الحميمي الذي يستحضر دفء أيام بعيدة قضاها مع والده في غزة، يتحدث عنها بإسهاب وتفاصيل وكأن لكل نغمة قصة تأبى النسيان. في لحظة أخرى يتقمص "الكاراكتر" المشهور به على الساحة الفنية لتظهر شخصية سانت ليفانت بالكاريزما الفريدة والثقة المطلقة أمام الكاميرا. ترى تداخلا سلسًا يمزج بين الذاكرة الشخصية والتقديم المسرحي، بين النوستالجيا وروح التمرد.
سانت ليفانت، نجم غلاف بيلبورد عربية لشهر فبراير/ شباط. رحلته الفنية أخذته من القدس وأزقة غزة إلى مسارح عالمية مثل الأوليمبيا في باريس ومهرجان كوتشيلا في كاليفورنيا. ولد محاطًا بثلاث ثقافات ولغات؛ لتتركب لغته الخاصة من التقاء اللغات العربية والإنكليزية والفرنسية، تبعًا لانتمائه المُتشعب، فأبوه فلسطيني/صربي، وأمه فلسطينية جزائرية، فأثرت هذه الجذور بهويته، كما أثرت هجرته إلى فرنسا وأمريكا، مما أضفى على فنه طابعًا عالميًا متداخلًا. وقد أكسبته هذه الخلفية المتنوعة القدرة على المزج بين أنماط موسيقية مختلفة؛ من فانك الثمانينيات إلى الإيقاعات الشرقية الأصيلة، مما جعله رمزًا جديدًا في عالم الموسيقى العربية.
افتتحنا المقابلة بالحديث عن مصدر إلهامه بين الفناين العرب. يعود سانت ليفانت في الذاكرة إلى الفترة التي قضاها في غزة، ويسترجع ذكرياته مع أبيه عندما كان يُشغل الموسيقى في السيارة، التي تدفقت من مسجلها أصوات العديد من النجوم العالميين مثل ليني كرافيتز ومايكل جاكسون، ويقول: "قبل أي مغني، أبوي كان إلهامي". ولكنه يُضيف بعد الغوص في الذكريات والحديث المليء بالحنين: "بس المغني العربي (الملهم)، أكيد الشب خالد، كنا نسمع أغانيه وخصوصًا ألبوم "الصحرا" وألبوم "خالد"، اللي فيه أغاني "العربي" و"وهران"، هدول الأغاني رائعين. هو الشب خالد بالنسبة إلي التوب".
أول أغنية في مسيرة سانت ليفانت الاحترافية حملت اسمه الحقيقي. كان ذلك عام 2020 أثناء جائحة كورونا وكان اسم الأغنية "Jeruslem Freestyle": "حكيت فيها عن القضية الفلسطينية، بستايل الراب، هي كانت أول أغنية عنجد إلي أنا حطيت اسمي عليها، وكان اسمي مروان عبد الحميد على سبوتفاي".
من المؤكد أن ما يميز سانت ليفانت هو جذوره الثقافية المتعددة التي منحته نظرة شمولية للموسيقى، وجعلته يُغني بثلاث لغات في الأغنية الواحدة؛ الإنجليزية والفرنسية والعربية. وحول البنية الخاصة في أغانيه، يقول سانت ليفانت: "من أول أغنية ساويتها كانت بـ 3 لغات، عشان أنا هي طريقة حكيي، وبالأغاني نفس الشي. بحس هلأ صرت أفرق أكثر، إنه في مقاطع مختلفة بالأغاني، عشان قبل كنت أغني بجملة وحدة 3 لغات، لأني فهمت إنو الناس مش زيي، وبيعرفوش يغنوا بجملة وحدة 3 لغات، فصرت أساوي كورس بالإنكليزي وكورس بالعربي وبالفرنسي، وهاد الشي ساعدني شوي. بس هالشي صار بشكل طبيعي، أنا ما كنت أنا أفكر إني بدي أكون مغني بـ 3 لغات".
جذوره هذه أدت أيضًا إلى تقديمه الأغاني ببنية موسيقية خاصة. وعندما طلبنا منه تحديد الجنرا الموسيقية التي ينتمي إليها، أشار سانت ليفانت إلى أنه يُقدم بأعماله جنرات موسيقية متعددة، ويمزج أحيانًا موسيقى الفنك الثمانيناتي مع جنرات موسيقية أصيلة في فلسطين أو الجزائر، ولكنه أشار لصعوبة وضع تصنيف محدد نظرًا لتنوع التجارب الموسيقية التي يقدّمها ويستلهم منها، وقال بأن هذا السؤال دائمًا ما يتردد في أوساط فريق عمله.
أما عن مشروعه الجديد، ألبوم "رسائل حب/ Love Letters" فهو يُعدّ رسالة مفتوحة لكل مشاعر العشق والانتماء، حيث صدر بمناسبة شهر الحب متزامنًا مع احتفالات الفالنتاين. ويوضح سانت ليفانت رؤيته من خلال تفسير اسم الألبوم: "بالنسبة للاسم، فهو لأن كل أغنية هي رسالة حب بطريقتها، أغنية 'الدلعونة' اللي ساويتها مع قاسم النجار وشادي بوريني و47 سول، هي مش رسالة حب رومانسية، لأ بالعكس، هي رسالة حب لبلدي وشعب بلدي، جمعت فيها فنانين فلسطينية بالأغنية، فهي رسالة حب لفلسطين، وأغنية 'ديفا' هي رسالة حب للبنت الذهبية وكمان للجزائر، و'وزيرة' هي لوزيرة الحب وسفيرة الإحساس، وأغنية 'وين معدي وين' هي أغنية ليبية وأغنية حب لليببا، وهي كمان غنية حب للقلوب المحطمة. فكل الأغاني هي رسائل حب مختلفة أنا بحس."
ويضيف حول تقسيمه للأغاني في الألبوم: "قسمت أغاني الألبوم إلى قسمين، Side A (الوجه الأول) وSide B (الوجه الثاني)، لأنه في فرق، فأغاني 'دلعونة' و'وزيرة' و'كرمنتينا'، هدول رسائل حب من مروان. أما أغاني 'ديفا' والبقية فهي رسائل حب من سانت ليفانت، الكاراكتر، وأنا برتاح أكثر بمروان أكيد، بس لازم ألعب سانت ليفانت".
ويُعلّق سانت ليفانت خلال الحديث عن الألبوم للإشادة بتجربته الفريدة في التعاون الفني مع مروان موسى: "هو مروان موسى صرلي زمان بدي أشتغل معه، يعني في مقابلات من 2020 بيسألوني فيها مع مين بدك تتعاون من الرابرز؟ ودائمًا كنت أحكي شب جديد ومروان موسى. بالنسبة إلي هدول الاتنين كتير ساعدوني برحلتي، فحتى أتعرف عليه ونكون بالاستوديو سوا، كانت تجربة مجنونة".
قبل هذه التجربة كان سانت ليفانت قد أصدر في العام 2024 أول ألبوماته الطويلة "ديرة"، والذي جاء بعد نجاح الألبوم القصير "From Gaza with Love" الذي أطلقه في مارس/ آذار 2023، وحظي باهتمام واسع بفضل لغة التعبير الصادقة التي قدّمها. حمل ألبوم "ديرة" اسم الفندق الذي بناه والد سانت ليفانت في غزة سنة 2000، عندما انتقلت عائلته إلى هناك، وقد شهد الفندق العديد من المآسي قبل أن يتعرض للدمار الكامل في الحرب الأخيرة. مثل الغناء عن "ديرة" اليوم احتفالًا بالحياة اليومية الفلسطينية ومعالم غزة من خلال مرجعية شخصية وعكس عنوان الألبوم ارتباط سانت ليفانت القوي بمدينته، واستمرار هذا الارتباط عبر الزمن، مما أضفى عليه طابعًا شخصيًا وعاطفيًا عميقًا.
حرص سانت ليفانت في ألبوم "ديرة" على التعاون مع فنانين بارزين من مختلف المشاهد الموسيقية ليعمق الأثر الموسيقي، وينقل الحكاية الخاصة إلى مستوى تشاركي ويجعلها أكثر شمولية، كتعاونه مع الشاب بلال في "Let Her Go"، والتعاون المميز مع الفنانة العالمية كيلاني في أغنية "الله يحميكي"، بعد أن رأيناها ترتدي الكوفية الفلسطينية وتتحدث عن القضية عبر كافة منصاتها المتاحة. بالمقابل، تضمّن الألبوم أغاني تظهر التحدي والعاطفة التي تميز سانت ليفانت، ليعكس أيضًا الجانب الرومانسي في بعض الأغاني التي يؤديها منفردًا، مثل "Forgive Me" و"قلبي".
من الجدير بالذكر أن سانت ليفانت يحجز مكانًا ثابتًا في قائمة بيلبورد عربية 100 فنان وقد حضر فيها طوال 46 أسبوعًا، وأن أغنية "وزيرة" التي صدرت منفردة قبل طرح ألبوم "رسائل حب/ Love Letters" قد دخلت قائمة هوت 100 الأسبوع الماضي، ومن المتوقع دخول المزيد من أغاني ألبومه الجديد في الأسابيع القادمة.
