"أجمل إحساس"، "يا مسهر عيني"، "غالي عليّ"، "يا حياة قلبي"، "حبك وجع"، "أنا طبعي كده"، "ما يهمك"، "واحشني أيه"، "زمان" "حبيتك أنا"، "حاول مرة" وغيرها الكثير والكثير من الهيتات التي يصعب تعدادها، يقف وراءها موزع موسيقي وملحن ذو رؤية مميزة. جان ماري رياشي، هو أكثر من مجرد موزع وملحن؛ فهو مهندس موسيقى حدّث الأغنية العربية عبر إبداعاته، وأسهم بشكل كبير في تطوير البوب ليفانتين خلال العقد الأول من الألفية. بفضل تعاوناته مع كبار النجوم في عالم الموسيقى، وتقديمه لتوزيعات موسيقية غير تقليدية، استلهمت من المكتبة الموسيقية العربية والعالمية المتنوعة، ليُقدم أسلوبه الخاص الذي يجمع بين الأصالة والتجديد.
بدأت حكاية جان ماري رياشي في الثمانينيات، حين كان مُسافرًا إلى بيروت لدراسة الهندسة. لكن حياته انقلبت رأسًا على عقب بعد مشاركته في برنامج "استوديو الفن"، حيث التقى بمخرج البرنامج الشهير، سيمون أسمر، الذي أُعجب بموهبته ونصحه بدراسة الموسيقى. أخذ جان ماري رياشي هذه النصيحة على محمل الجد، وقرر الالتحاق بـجامعة الروح القدس في الكسليك لدراسة علم الموسيقى.
ومع الوصول إلى نهاية التسعينيات، بدأ اسم جان ماري رياشي يلمع في عالم الفن، خاصةً بعد نجاحه في التعاون مع إليسا في ألبومها الأول "بدي دوب"، حيث قام بتوزيع الأغنية التي حمل الألبوم اسمها. قام جان ماري بدمج الموسيقى العربية واللاتينية في الأغنية وقدّمها بأسلوب جديد وجريء، ليُحقق بالأغنية نقلة نوعية في هذه الجنرا، وينجح بتقديم إليسا بأفضل طريقة.
قدّم معها بعد ذلك جنرات موسيقية جديدة أخرى، أبرزها جاء بأغنية "عايشالك" سنة 2002، التي كانت بدورها نقلة نوعية في الليفانتين بوب، حيث كانت أول أغنية تعتمد بتوزيعها على موسيقى الهاوس. كان جان ماري رياشي يُغير معالم موسيقى الليفانتين بوب من خلال تعاونه مع نجوم الجيل الجديد، أبرزهم رامي عيّاش وأمل حجازي؛ ليقوده ذلك إلى التعاون مع نجوم من الأجيال الأقدم مثل لطيفة وماجدة الرومي، ويكشف بهذه التعاونات عن أبعاد جديدة بشخصيته الموسيقية بعد نجاحه بالتأثير والتغيير، حيث نجح جان ماري رياشي بفرض رؤيته الفنية حتى مع الكبار.
أبرز مثال على ذلك كان مع أغنية "اعتزلت الغرام"، التي لحنها الموسيقار الراحل ملحم بركات وأدتها ماجدة الرومي. كان لملحم بركات رؤية مختلفة عن النسخة النهائية، لكن رياشي استطاع بتفهمٍ وحرفيةٍ أن يقنعه بإضافة لمساته الخاصة على الأغنية. سافر جان ماري رياشي إلى باريس ليُسجّل ثلاثة توزيعات موسيقية مختلفة، وأوصى بتبني توزيع الجاز، مع اللحن الافتتاحي على البيانو، الذي ألفه وأضافه. لم يتقبّل ملحم بركات التوزيع سريعًا، ولكن بعد تجارب عديدة واستماع ماجدة الرومي للنسخة النهائية، وافق بركات على رؤية جان ماري رياشي. هذه التجربة لم تكن مجرد نجاح شخصي، بل أكدت موهبة جان ماري في التعامل مع ملحنين كبار وتقديم رؤيته التي يبنيها على دراسة اللحن وصوت المغني معًا.
في العام 2009، وصل جان ماري رياشي إلى مرحلة جديدة في مشواره الفني، حين أصدر ألبومه الأول "بالعكس". شكّل مشروعًا موسيقيًا متكاملًا يتكون من عدة مقطوعات موسيقية وأغانٍ قام بتأليفها أو اختيارها وأعدّ ألحانها ووزعها بالكامل بنفسه. اختار النجوم بعناية لأداء كل أغنية، حيث قدم رامي عياش وعبير نعمة الأغنية الأساسية "بالعكس"، فيما أدت يارا أغنية "شفتو من بعيد"، التي حققت نجاحًا كبيرًا. في عام 2015، أصدر جان ماري رياشي الجزء الثاني من الألبوم "بالعكس 2"، والذي ضم توزيعات جديدة لأغانٍ عالمية شهيرة مثل "Je N'ai Pas Change" لخوليو إيجليسياس و"All of Me" لجون ليجند، وتعاون جان ماري مرة أخرى مع يارا وعبير نعمة، وقدم أول تجربة غنائية له بأغنية "أنا رايح عدبي"؛ كتجربة أولى لم يُكررها بعد. وللمفارقة، فإن الأغنية ذات الطابع السياسي الساخر، يسرد بها جان ماري رياشي الأسباب التي تدفعه للهجرة، لكنه استمر في البقاء ببلده رغم كل الصعوبات، حتى بعد انفجار بيروت عام 2020 الذي ألحق أضرارًا كبيرة بالاستديو الخاص به.
في العقد الثاني من الألفية، عاد جان ماري رياشي إلى حيث بدأ، إلى برامج المواهب، ليخوض فصلًا جديدًا بتجربته الموسيقية. تجربة جان ماري رياشي كمنتج موسيقي في النسخة العربية من برنامج ذَ فويس كانت محطة مهمة أثرت بشكل كبير في مسيرته المهنية. أشار إلى أن هذه التجربة لم تكن مجرد إنتاج تلفزيوني، بل كانت فرصة للتعلم وللتفاعل مع تنوع الموسيقى العربية، خاصةً في منطقتي الخليج والمغرب العربي؛ فعمله مع مجموعة من المواهب من خلفيات ثقافية وموسيقية متعددة ساعده على اكتساب فهم أعمق لأنماط موسيقية جديدة، وخاصة الموسيقى الخليجية التي تتميز بإيقاعات وألحان مختلفة، والموسيقى المغاربية التي تتنوع بين التراث الأمازيغي والعربي والأندلسي. تعلمه لهذه الأساليب الموسيقية الجديدة لم يكن مجرد توسع في معارفه، بل أثر بشكل واضح على أعماله المستقبلية. خلال البرنامج، عكس رياشي رؤيته الفنية المتجددة وأبدع في تقديم توزيع موسيقي يراعي الاختلافات الثقافية والموسيقية، مستثمرًا في المواهب الصاعدة لتطوير موسيقى تحمل طابعًا عصريًا ولكنها تستند إلى جذور موسيقية قوية.
لم يتوقف جان ماري رياشي عن تعلّم الموسيقى يومًا، ولم يكتفِ بالنجاحات التي حققها، ليواصل دومًا برحلة بالبحث والاستكشاف في التقنيات الموسيقية الجديدة، ويعمل على تطويعها في مشروعه الموسيقي الخاص ذو الرؤية الموسيقية الواضحة.