"علّوا البيارق" لـ أحمد قعبور: صوت رمضان البيروتي

تُعدّ "علّوا البيارق" من أشهر الأغاني الرمضانية اللبنانية التي كتبها ولحنها أحمد قعبور من أداء كورال دار الأيتام
أحمد كعبور
أحمد كعبور
Change Font Size 20

قدَّم أحمد قعبور تجربة غنيّة في عالم الأغنية اللبنانية، وثّقت الأحداث السياسية والاجتماعية الصعبة التي عاشها لبنان في فترة الحرب الأهلية وما بعدها. ارتبطت كلماته وألحانه بحب الأرض والمقاومة في إصداراته مثل "يا نبض الضفة" و"أناديكم"، كما قدم واحدة من أشهر أغاني الجنوب "يا رايح صوب بلادي" في فترة الاحتلال. إلى جانب الأغاني الثورية والملتزمة، حمل إرث قعبور امتدادًا لتجربة عمر الزعني وغيره من شعراء بيروت، فتغنّى بالمدينة وشوارعها وقد عرفت الأغنية الرمضانية البيروتية نصيبًا في أعماله. 

تعاون أحمد قعبور مع كورال دار الأيتام الإسلامية في بيروت لتقديم واحدة من أشهر هذه الأغاني الرمضانية التي ارتبطت بذاكرة جيل التسعينيات. قدّمت "علّوا البيارق" مشهدية حقيقية عن طقوس رمضان في لبنان، وهي من أشهر وأنجح أغاني الكورال خاصة وأنها اتبعت أسلوب سرد القصص بأصوات الأطفال. أُنشئت فرقة دار الأيتام الإسلامية في الستينيات، ولم تكن "علّوا البيارق" التعاون الوحيد مع قعبور فقد قدموا "مرحى مرحى يا بيروت" التي كتب الكلمات الشاعر عبيدو وحكت عن قدوم رمضان "بيروت رح بتضّل للأيام عروسة الأمير/ رمضان ع بابها الأعياد على جنابها"، ولحّنها قعبور ضمن ألبومه "حُب" الصادر سنة 1985. 

 

افتتح صوت الناي أغنية "علّوا البيارق" وصاغ لحنها الجذاب، وقد حملت مقام الرست وهو ليس مقامًا سهلًا على الأطفال، إلا أن الكورال استطاع بتدريبات وإرشادات قعبور أن يحاكي النوتات بمهارة عالية، فقد قضى قعبور وقتًا مع الكورال واختار صوتين لغناء المقاطع المنفردة. 

غنّى الطفل فاروق المقطع الأول "ولا مرة إمي وعتني حتى اتسحر" وقد حمل صوته طبقة من الشجن أعطت للكلمات نغمات ساحرة. أما المقطع الثاني، فقد استوحى قعبور كلماته من أحداث حقيقية وقعت خلال طفولته عندما وعده جده بإيقاظه على السحور لكنه أطفأ المنبه. قدمته الطفلة هنادي "أنا ياما عيّرت الساعة ونيمتها حدي"، وقد ظهر فاروق وهنادي مع الأطفال في كليب حمل تأثيرات نوستالجيّة، وتنقلوا فيه حاملين الفوانيس الرمضانية المليئة الشموع والأعلام الملوّنة. 

حكت اللازمة عن إنقطاع الكهرباء والتعتيم بسبب الحرب "ضووا الشوارع خلوها تغني من جديد"، فكان قعبور يملك رغبة فائضة بالخروج من سوداوية الأوضاع. أمّا فكرة مناشدة المسحر فحملت رمزية الرغبة بلقاء الناس وتشكيل وعي بأهمية العيد للأطفال "ضوي ليالينا وعي أهالينا"، هذا وصرّح قعبور في مقابلة خاصة أن هذه الأغنية جاءت للبحث عن لحظة فرح مفتقدة.

أما عن صناعة الأغنية، فقد سجلت في استديو زياد الرحباني بمنطقة الحمرا في بيروت، وقد صادف وجود الفنانين غازي مكداشي وسامي حوّاط الذين شاركوا بطريقة ارتجالية بالغناء مع الأطفال، ورحبوا بحضور المسحر في المقطع الأخير على إيقاعٍ يقترب من أسلوب الابتهالات. أطلق قعبور في هذا المقطع صرخة المسحر "يا نايم وحد الدايم" وأضيف عليها تأثير الصدى، مثل ما سمعه لأول مرة في طفولته ما أعطاه بعدًا عاطفيًا كأنه آتٍ من كوكب بعيد لا جوع أو حزن فيه. هكذا تحول المقطع الأخير إلى أهزوجة تحاكي روح الأطفال التي تأملت العيد وناجت الأهل لرفع البيارق وإضاءة الشوارع المعتمة. 

استعاد قعبور هذه الأغنية سنة 2016 في احتفالية مرور 100 عام على تأسيس دار الأيتام الإسلامية في بيروت، حمّلت هذه النسخة اسم "مشوار الميّة" بالاشتراك مع كورال الدار والمغنية أمل كعوش، وحافظ خلالها على نوستالجيا صرخة علّوا البيارق.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع