"فوق النخل" أغنية عراقية تنقلت في البلدان العربية منذ عقود بسبب كلماتها الأليفة على السمع، القريبة إلى القلب. تتعدد الروايات وتختلف حول أصل هذه الأغنية، لكنَّ أكثرها شهرة يحكي أسطورة حب وقعت فصولها في بلاد الرافدين.t
يقول المؤرخون إن الأغنية في الأساس نصٌ ديني كتبه في نهايات القرن الثامن عشر، الشاعر والموسيقار المتصوف، الملا عثمان الموصلي، وكان مطلعه يقول: "فوق العرش فوق"، وكان يُردد في المناسبات الدينية المختلفة.
لكن للفولكلور العراقي رواية أخرى دارجة عن أصل كلمات هذه الأغنية، حيث تقول الرواية الشعبية إن بيوت العراقيين كانت تتكون من طابق يعلوه آخر بشرفة خشبية مزخرفة، وفي منتصف البناء باحة واسعة تتخللها أشجار النخيل.
ودأبت بعض العوائل على تأجير إحدى غرف منزلها السفلية الشاغرة لعازب، بعد الاطمئنان على حسن سلوكه وأخلاقه. وذات يوم سكن شاب في غرفة لدى أسرة أثرية، وبينما كان يمر من ساحة البيت، لمح فتاة تقف على الشرفة، فخفق قلبه لها، وأراد البوح لها بما يعتريه من مشاعر.
تحطمت خطط الشاب المتيّم بسبب خوفه من الأعراف والتقاليد، لكنه فكر في طريقة لتجاوز هذه الأعراف، فابتكر حيلة للوصال.tبدأ بدندنة ثلاث كلمات كشيفرة لعل الجميلة على الشرفة تلتقطها، فينال مبتغاه، وهي: "فوق إلنا خل... فوق إلنا خل"
أي في الأعلى لنا حبيب.
مع بزوغ الشمس، ذهب العاشق الولهان إلى عمله، لكن وجه الفتاة ظل يطارده. عاد مساء منهكًا، يمنّي نفسه باستراق نظرة جديدة إلى وجه الحبيبة. فجأة رآها تقف على الشرفة، فبهره لمعان خدّيها، لكنه خشي أن يمعن في النظر فيكتشف متطفل أمره أو عذول مقصده. عندها أضاف الشاب كلمات إلى الكلمات الأولى المشفّرة، وبات يجلس أمام باب غرفته كل ليلة، ويغني: "فوق إلنا خل فوق/ مدري لمع خده/ يابا مدري القمر فوق/ والله ما اريده/ باليني بلوى". ثم التقط الجيران في الحي الكلمات من دون أن يعرفوا مقصدها، فاختلط عليهم الأمر، وهكذا أدغموا اللام بالنون، فأصبحوا يقولون: فوق النخل بدلاً من فوق إلنا خل.
تنقسم الروايات حول نهاية القصة بين زواج الشاب بحبيبته وفراقه عنها، لكنَّ ثمة إجماعًا على أن هذه الأبيات أمست رمزًا للعراق وملكًا للشعوب التي تطرب بكلماتها ولحنها، من غير أن تفكر ولو لحظة إذا ما كانت فوق النخل أم فوق إلنا خل.