مارسيل خليفة: مسيرة موسيقية أعادت تصوّر قصائد محمود درويش

في ذكرى ميلاد مارسيل خليفة الرابع والسبعين، نجمع لكم أبرز أربع قصائد محمود درويش التي غناها ولحّنها مخلدًا إياها في أغاني لا تنسى
مارسيل خليفة (جيتي اميجز)
مارسيل خليفة (جيتي اميجز)
Change Font Size 20

خلال مسيرة موسيقية وفنية استمرت لأكثر من خمسين عامًا، ترك الموسيقار مارسيل خليفة علامةً لا تمحى في غناء القصائد الفصيحة والعامية، وقدّم العديد من التعاونات المميزة التي تسجّل له في الساحة، ما بين تعاوناته مع مختلف الفنانين والشعراء والملحّنين من الزمن الجميل مثل أميمة الخليل وطلال حيدر ومحمود درويش، مرورًا بالفنانين الصاعدين في العالم العربي مثل ناصيف زيتون وعبير نعمة وغيرهم.

ما بين تعاوناته العديدة، تعتبر أعماله مع الشاعر الراحل محمود درويش أبرزها وأشهرها، فعلاقة الفنان والشاعر التي استمرت لأربعة عقود لم تكن علاقة فنية فقط، بل علاقة شخصية يطغى عليها الاتّفاق الفكري والأدبي والشاعري، وكوّنت أحد أهم ثنائيات الأغنية العربية الفصيحة عمومًا، والأغاني الوطنية والسياسية على وجه الخصوص. حتى بعد رحيل الشاعر الكبير، عبّر مارسيل عن إعجابه الكبير بمحمود درويش وقصائدة في عدة مناسبات ومقابلات، من أبرزها قوله: "أمس كنت مرتبطًا بشخصيته وفكره، واليوم أصبحت علاقتي مقتصرة على شعره، وأتمنى أن يكون درويش راضيًا عن كل ما أقدمه من أشعاره بعد رحيله، وأن يكون الجمهور متذكرًا كيف اجتهد درويش من أجل تقديم تلك القصائد."

عبر عوده في المقام الأول، ثم رحلة تطوره مع الآلات والجنرات المختلفة، بين القوالب الشرقية وتأثيرات الجاز، قدّم الفنان مارسيل في مسيرته العديد من قصائد محمود وتغنّى بها، ليقدّمها بصورة تجمع ما بين الحس الفني المرهف والروح الثورية.

أحن إلى خبز أمي

لا تحتاج أن تكون من جمهور مارسيل ومحمود درويش، حتى تكون واحدًا من الملايين الذين يحفظون هذه الأغنية من العالم العربي، والتي تبنّت القصيدة التي كتبها محمود درويش في شبابه في غياب سجنه، عند اعتقاله في سن صغير. عبّر الشاعر حينها عن شوقه للأم وحنينه لطفولته في حضنها عبر نقل تفاصيل وصور دقيقة من طفولته، وذكر تمسّكه بالحياة خوفًا من بكاءها عليه بعد وفاته. تدرّج الشّاعر في ذكر كل ما يحن إليه، بدءًا من الخبز الذي يرمز للوجود والحياة، ثمّ قهوة أمّه التي ترمز للحياة الطّبيعيّة والمستقرّة، ومنحها مارسيل اللحن الذي أعطى الحياة لكل تلك الصور الشعرية.

أمر باسمك 

في واحدة من قصائده العاطفية الفريدة تغنّى محمود رويش بحبيبته مشبّهًا شعوره تجاه ذكراها، بما يشعر به الدمشقي تجاه الأندلس، ذاكرًا ارتباطه العميق بها أينما كان ومع كل شهيق يأخذه وزفير يخرجه بقوله "أمر باسمك إذ أخلو الى نَفَسي". دمجها مارسيل بدندناته وآهاته على وقع عُوده، ناقلًا الروح الشاعرية بطبقة صوته المنخفضة في الأداء، قبل أن يتعالى صوته في الجزء الثاني مع تعالي ضربات العود بوضوح فيما يغني "أمر باسمك لا جيش يحاصرني/ ولا بلاد كأني آخر الحرس".

في البال أغنية 

ظهرت هذه القصيدة ضمن ديوان "حبيبتي تنهض من نومها" الذي أصدره درويش بعام 1970 وغنّاها مارسيل لأول مرة عام  1977، وجاءت محملةً بالمشاهد المتناقضة ما بين وصفه للعنف والهمجية في المحيط الذي فرضه الاحتلال، واصفًا بسريالية مشاهد تشييع الشهداء، وبين جمال الصور التي يحملها عن فلسطين وكيف يتذكّرها بصغره، وكيف تحيطها كروم اللوز من كل زاوية لترسّخ العناء والمشّقة التي مر بها أهلها: "من أين جاؤوا؟ وكرم اللوز سيّجه أهلي وأهلك بالأشواك والكبد". نقل مارسيل كل هذه المشاعر المتخبطة عبر إيقاع مفرط السرعة يضبطه العود مترافقًا بأصوات التصفيق والتصفير، إذ حفظت التسجيلات القديمة للأغنية صوت الجمهور خلال تقديمه لها في حفلات حية. 

جواز السفر

يشرح محمود بكلماته وأسلوبه الخاص مفهوم السفر والترحال والتنقل في حياة الإنسان المعاصر، خاصةً ذاك الذي تحمّل الاحتلال وحصاره طوال عقود. وصف الهجرة التي اتّخذها موطنه ووجهة السفر، وناقش أزمة هوية يمر بها الشاعر أثناء ترحاله، فيما كرر "لم يعرفوني" ليشدد على شعوره بالتنكّر، مؤكدًا على عدم استقراره وتنقّله الدائم بحثًا عن بر يرسو إليه بعدما أصبحت بلاده غريبة عليه.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع