اختار كاظم الساهر يوم عيد الحب، ليُصدر ألبومه الجديد "مع الحب"، الذي عاد فيه بعد انقطاع دام 8 سنوات منذ ألبومه الأخير. لم يخيب كاظم الساهر آمال محبيه الذين انتظروا بفارغ الصبر ألبومه الجديد، فقدم لهم واحدًا من أفضل ألبوماته على مدار مسيرته، وأكثرها رومانسية.
افتتح كاظم الساهر ألبومه بأغنية "يا وفية"، التي أخذ كلماتها من قصيدة "من قال لا يبكي الرجال"، للشاعر الراحل كريم العراقي، الذي رحل عنا خلال العام 2023، قبل 5 أشهر فقط من طرح الألبوم. تمتد حكاية الأغنية لسنوات طويلة، فقد تم الإعلان عن استعداد كاظم الساهر لتقديم قصيدة "من قال لا يبكي الرجال" سنة 2015، قبل أن يتم استبعادها من قائمة أغاني ألبوم "كتاب الحب" في العام التالي. وفي سنة 2018 سمعناها بصوت نجم برنامج ذَ فويس، أمجد رحّال، الذي غناها ضمن مقابلة تلفزيونية مُسجّلة، ليوحي ذلك حينها أن كاظم الساهر تخلى عن القصيدة. لكن الحكاية لم تنتهي عند هذا الحد، فكاظم الساهر الذي غاب طويلًا، اختار هذه القصيدة بالتحديد لتكون أولى عينات الألبوم وافتتاحيته، منذرةً بحساسيته ورهافته. تمزج كلمات الأغنية بين مشاعر الحب والانكسار، وما يتلوها من تصالح مع الذات والاعتراف بالضعف، الذي قد لا يتوافق مع الصور النمطية عن الرجولة وحدود العلاقة بين الرجل والمرأة: "إني أمام الناس أعلنها: جنّيت/ لا أستحي لو بين قدميك ارتميت/ من قال لا يبكي الرجال".
ومن إرث كريم العراقي، يأخذ كاظم الساهر قصيدتين أيضًا، الأولى "لا تظلميه"، التي وصفها الشاعر الراحل بأنها: "قصيدة العمر"، وذلك بعد أن قام كاظم بتلحينها سنة 2020. أبدى كريم العراقي حماسةً خاصةً لها بتصريحاته، واعتبرها استثنائية في تاريخ تعاونه مع كاظم الساهر، الذي بدأ منذ العام 1988 بأغنية "شجاها الناس" (شارة مسلسل "نادية"). أما الأغنية الأخيرة فحملت اسم "الليل"، التي شهدت أول تعاون بين كاظم الساهر مع مُشترك من فريقه في برنامج ذَ فويس كيدز، حيث سجّلت سهيلة بهجت جزءًا من المقطع الثاني من الأغنية بصوتها، حين تتحول الأغنية إلى مكالمة هاتفية، لتؤدي دورًا في الحوار.
"الليل" ليست الأغنية الوحيدة التي صيغت بأسلوب المحاورة، إذ يلجأ كاظم إلى هذا البنية النصيّة في أغاني أخرى، مثل "يا قلب"، التي كتبها ولحّنها بنفسه، والتي صاغها كحوار بينه وبين قلبه. فكرة قصيدة كاظم الساهر الوحيدة في الألبوم ليست جديدة، فنهاك عشرات الحواريات الشبيهة التي وردت في الأغاني والأشعار والثقافة العربية عبر التاريخ، حيث يتم أنسنة القلب أو العقل ومخاطبتهما. لكن المميز في أغنية "يا قلب" هو التقديم المختلف لصوت القلب، فعندما يشتكي كاظم حاله لقلبه، يرُد القلب بلغة عاطفية ولكن منطقية. تضم أغنية "يا قلب" الكثير من التفاصيل المصممة بشكل مدروس، منها الاستخدامات المتعددة لأصوات الكورس، ففي المقطع الأول الذي يُغني فيه كاظم بلسان العاشق، يُكرر الكورس الكلمات فحسب. أما في المقاطع التي يُغنيها كاظم الساهر على لسان القلب، يتحول فيها الكورس إلى شهود على المحاورة، ويصطفون إلى جانب القلب، الذي يبدو أكثر رغبة واندفاعًا للحب والحياة.
أما الأغاني التي أخذ كاظم الساهر كلماتها من أشعار نزار قباني فهي ثلاث "بيانو" التي اقتطع كلماتها من قصيدة "عادات"، و"معك" التي اقتطع كلماتها من قصيدة "أنا رجلً واحد وأنت قبيلةُ من النساء"، و"تراني أحبك" التي استخدم بها كلمات من قصيدة "المكابرة". حافظ في الأخيرة بسبة أكبر على هيكلية القصيدة الأصلية، واكتفى فيها بتعديلات بسيطة في الكلمات بغرض تخفيفها أو مُلائمة الجمل اللحنية التي وضعها بما يتناسب مع الحالة العاطفية التي تتكشّف بعد زمن من المُكابرة والإنكار. أما في أغنيتي "بيانو" و"معك"، فتخلّى كاظم الساهر عن مقدمات القصائد وأعاد ترتيب كلماتهما، لينسج أغنية "بيانو" التي تبدو شديدة الرقة، باحتفاظه بسرده التفصيلي عن العادات التي اكتسبها مع الحب. فيما ترجمت الموسيقى في "معكِ" الأمزجة المتناقضة في قصيدة "أنا رجلً واحد وأنتِ قبيلة من النساء"، لتنتقل الأغنية بشكل مفاجئ من الغناء العاطفي الرقيق المُصاحب للبيانو والكمانجات الكلاسيكية، إلى الأداء الانفعالي المُصاحب للنغمات الشرقية الفلكلورية.
من الأغاني البارزة في الألبوم كذلك، أغنية "أعود"، التي تعاون فيها كاظم الساهر مع الشاعر خليل عيلبوني. تميزت لغتها بالمفردات الصوفية غير المألوفة في أغاني كاظم الساهر: "أعود أعود إليك أخيرًا فهاتي/ صليبًا وسجادة صلاةِ/ لعل من العمر ظلّت بقايا، أكفر بها عن السيئاتِ". وتبرز أيضًا أغنية "لا تسألي" التي تعاون فيها كاظم الساهر مع الشاعرة دارين شبير، التي تبدو لوحة موسيقية غريبة وفريدة، يتلذذ فيها كاظم الساهر بالحب في لحظة النهاية.