الأصوات المميزة والألبومات المجدّدة والنقد العنيف، هي سمات لاحقت موجة موسيقى الجيل الشبابية الأشهر في مجال البوب المصري في التسعينيات، عبر إصدارات أطلقتها شركة التسجيلات التجريبية التجربة سونار سلام، وضمت أسماء عديدة مثل إيهاب توفيق بأبرز ألبوماته "اكمني" و"مراسيل" و"رسمتك"، وهشام عباس بألبوم "سهاري"، وعلاء عبد الخالق بألبوم "وياكي"، وحنان بألبوم "بحبك". ضمت تلك القائمة أيضًا صوتًا شابًا كان له حينها نصيبه من الهجوم، خاصة مع طبقة صوته الرقيقة وتميز وجهه الطفولي وهو مصطفى قمر. فبعد ألبوم "وصاف" الصادر بعام 1991، والذي مثل الإنطلاقة له، أتى "لياليكي" بالعام التالي، 1992، كذكرى شبابية تربطه بمسقط رأسه الإسكندرية، حاملًا العديد من الثيمات الواضحة المرتبطة بعروس البحر المتوسط.
يفتتح الألبوم بأغنية "إسكندراني"، من كلمات عادل عمر، والذي كتب أيضًا ضمن الألبوم أغاني "لو" و"سحر العيون" "ولياليكي". تبدأ الأغنية بالكوبليه الشهير "آه يا واد يا اسكندراني"، والذي يتكرر كصدى الصوت من الكورال، ليتبعه بعده ثلاثين ثانية من التمهيد الرومانسي قبل تسارع في الإيقاع، وكأن الأغنية قد تخطت محطة الرمل (محطة قطار اسكندرية الشهيرة) لتجوب المدينة، فيتبعها بكوبليه "آه يا واد يا اسكندراني/ رماني الشوق يا واد/ فرقني عالمواني/ دوبني في البعاد". تكمل كلمات الأغنية وصلة الافتتاح للاحتفاء بالمدينة، والتي يعد أشهرها كوبليه "ده انا قلبي اسكندراني/ وعيوني اسكندراني/ وهوايا اسكندراني/ وحبيبي اسكندراني".
يؤسس حميد الشاعري السردية الموسيقية للألبوم الذي يوزعه ويشارك في تلحينه بالتعاون مع مصطفى قمر مناصفة في الأغاني، معتمدًا على خط واحد في التوزيع الآلاتي مع تغيير الآلة الرئيسية لكل أغنية حسب أجواء الأغنية، لتعبر عن حالة أو ثيمة معينة مرتبطة بالقصة. كما أنه لا بديل عن وجود الكورس بكل الأغاني عدا أغنية "البيانولا"، والتي تعكس روح الطفولة لدى مصطفى قمر. كما يحضر الكورس عبر الألبوم ليعكس التجربة الجماعية، ويؤكد على انبثاق الصوت من بيئته الأصلية محملًا بأفكار وتصورات شباب جيله.
في "اسكندراني" نسمع صوت الأكورديون على مقام عالٍ ممزوجًا بالأورغ والدفوف الضخمة، ليعكس كل ذلك حركة سريعة مرتبطة ذهنيًا بإطلالة الكورنيش على امتداد ساحل المدينة، أما "لو" المستمدة بجوها وكلماتها من أماكن السهر والليل، فتُطَعَّم بكوردات مكثفة من الجيتار الكهربائي، ولمسة الموسيقى اللاتينية مع الأكورديون.
تعكس "صعبان عليا"، والتي كتبها سامح العجمي إلى جانب "البيانولا" و"يا ناس (دباديبو)" و"حنوا"، مشاعر متصالحة مع الفراق فيما يأتي فيها الأكورديون مصاحبًا للجو المرح للأغنية، وخاصة في التلاعب الذكي بالكلمات في كوبليه "جرحني وشكى/ وسبقني وبكى/ وشكاني وهو البادي".
أما "البيانولا" فتطفو كقصة ما قبل النوم، لتنقل إحساس طفول داخل الضواحي، برمزية إسم العم نوح، والذي يمثل المنقذ لهذه المجموعة من الأطفال، فيأخذهم في جولات ليلية بين طرقات المدينة الواسعة، محملًا بالمشاعر التي يجعلها أكثر سلاسة وجود الإكسلوفون والنوتة العالية من البيانو. تتكرر جملة "واحنا صغار" بصوت مصطفى قمر نفسه على نفس نسق الكورس في الأغاني الأخرى. لكن عم نوح يختفي بمجرد ما تتحول رفيقة الطفولة لحبيبة وهي الآن "زينة البنات"، كتصوير للحظة نضوج وتخطي لتلك الطفولة البريئة.
في "يا ناس"، والتي تحاكي إيقاع المقسوم الشعبي لأغاني الأفراح، يبحث قمر عن الاعتراف من حبيبته خاصة في كوبليه "ما هو راح ولا جه/ ولا قال للناس"، ثم يتبعها بتلاعب آخر بالكلمات "شهرين والتالت عدوا/ والحلو أهو خالف وعدوا "، معيدًا توظيف الألفاظ البحرية مثل "شبكة برمشه صادني".
تتأثر أيضًا "سحر العيون" بأسلوب محمد منير، وخاصة في أغانيه ذات الطابع النوبي، فتمزج بين التأسي من العشق والحب ووجود الناي الحاد. وبمنحنى آخر مختلف يمزج بين الجيتار الالكتروني والبالافون تُقدم أغنية "حنوا" مزيجًا حماسيًا.
يختتم مصطفى قمر رحلته مع الإسكندرية بأغنية "لياليكي"، حيث يختلط أسى نهاية الرحلة مع يقين اللقاء بقوله "هيرسى قلبك في عينيا/ قلبي مركب حنية"، ويمر حميد بصوته مرورًا هامشيًا بإضافته للكورس كصوت بارز، كما يضيف أصوت التاكسي المشوشة، وكأن السيارة التي أخذتنا من محطة الرمل، في طريقها لإعادتنا مرة أخرى.