ترتيبات قدرية أكبر من توقعاته أو خططه كانت خلف صعود تامر عاشور كمغني. فالشاب الذي كان في المراحل الأولى من مسيرته مركزًا بتصميم وحرفية عالية على أهدافه كملحّن قبل كل شيء، محاولًا تقديم أفضل ما عنده في كل لحن يقدّمه لفنان جديد، وجد نفسه فجأة يتجول في شوارع مدينته الأم، القاهرة، وقد انتشر صوته وغناؤه بين الناس قبل حتى أن يعرفوا اسمه!
قبل عقدين من الزمن تحديدًا، كان تامر عاشور الملحن بطبيعة الحال يصنع ويسجل بصوته نسخًا تجريبية لأغاني يلحنها لفنانين آخرين. وفي فترة زمنية كانت تشهد صعود الإنترنت في المنطقة وظهور المنتديات التي تتيح للجمهور تحميل مقاطع صوتية بشكل مباشر، وانتشار تقنية البلوتوث لتبادل الأغاني على الهواتف، تفاجأ تامر عاشور بتسريب النسخ التي أداها بصوته على عدة منتديات ومواقع إلكترونية. بدأت هذه المقاطع المسربة بصوته تنتشر بين الناس، وتلقى شعبية متزايدة، دون أن يعرف أحد هوية مؤديها، مثل أغنية "ذكريات كدابة" و"ثانية واحدة" و"سنين الشوق" و"قلبك يا حول الله".
أربكت هذه الأحداث الشاب الموهوب، الذي لم يخطط أو ينوي حتى ذلك الحين تقديم نفسه كمغني على الساحة. ويذكر تامر أنه بقي يتتبع انتشار صوته لمدة من الزمن قبل أن يخرج نهاية إلى العلن ليطلق رسميًا مسيرته كمغني، ويتمكن من ربط صورته ووجهه بالصوت الذي وصل بالفعل إلى وجدان الناس ويصدر أولى ألبوماته الرسمية "صعب". توالت بعدها الألبومات والهيتات الخاصة به مثل "ليا نظرة" و"عشت معاك" و"أيام"، وسارت بالتوازي مع مسيرته كملحن حيث استمر بالعمل مع أبرز الفنانين في العالم العربي لمنحهم ألحان وجدت طريقها إلى ذاكرة الجمهور مثل "يا ريتك فاهمني" و"لوحة باهتة" لأنغام و"من العشم" لعمرو دياب و"حكايتي معاك" و"أنا سكتين" لإليسا.
طوال حديثنا المتعمق معه والذي استمر لحوالي النصف ساعة، يستمر تامر عاشور، نجم غلاف بيلبورد عربية ديسمبر/ كانون الأول الختامي لهذا العام، بتبني اللهجة ذاتها بالحديث عما هو مقدّر له أو هو صدفة أو تدبيرات من الله في منعطفات مسيرته. ولكن المتمعن بطريقة حديثه ووجهة نظره للأمور، يجد كم ينبع حديثه من تواضع وواقعية. يمتد هذا التواضع إلى حديثه بتقدير كبير عن زملائه النجوم، والأسماء التي لحن لها، والمواهب الشابة التي يتمنى أن يدعمها أو يتعاون معها، بل وحتى نجاحاته الخاصة، التي خطَّ أبرزها هذا العام مع هيت "هيجيلي موجوع".
بعد مرور ما يقارب عشرين عامًا على مسيرة تامر عاشور الفنية، التي سارت بخطى ثابتة وعرفت نجاحات هادئة مستمرة، جاءت أغنية "هيجيلي موجوع" لتقلب كل الموازين، وتتحول إلى أبرز هيت له حتى اليوم كما تظهر أرقام الاستماع على المنصات المختلفة، وتفاعل جمهور الحفلات الحية. ومع الوصول إلى نهاية العام الحالي، وقبل حوال أسبوعين من لقائنا مع تامر، تمكنت هذه الأغنية من أن تحصد جائزة أغنية العام ضمن حفل توزيع جوائز بيلبورد عربية للموسيقى 2024. كما حققت جائزة إضافية كأفضل أغنية مصرية، ليغادر تامر الحفل بجائزتين بارزتين تشهدان على النجاح المدوي الذي سطرته الأغنية.
إلى جانب هاتين الجائزتين، خرج كذلك صناع العمل بجوائز عن إسهاماتهم، فحصد عليم جائزة أفضل كاتب كلمات، ونال عمرو الشاذلي جائزة أفضل ملحن. أشار تامر عاشور إلى ذلك بفخر خلال مقابلتنا معه، وأكد لنا تكرار التعاون بينه وبين هذه الأسماء وسواها من أسماء متنوعة عملت معه على ألبومه القادم الذي سيصدر مع بداية العام 2025 بعنوان "ياه".
ومع اقتراب موعد صدور الألبوم الجديد بشكل مستقل، عرجنا في الحديث على تجربة تامر عاشور مؤخرًا في الإنتاج المستقل لنفسه، الأمر الذي شهدناه في السنوات الماضية بشكل متزايد وتحاورنا مع العديد من فناني العالم العربي حوله، مثل أنغام وإليسا وناصيف زيتون وغيرهم. تامر عاشور كذلك وجد في العمل المستقل عن شركات الإنتاج الكبيرة متعةً خاصة، سمحت له بالأخذ بزمام الأمور، وتحمل مسؤولية قراراته ورؤيته، وبالتالي كذلك مسؤولية نجاحاته الكبيرة، التي يرى أن شركات الإنتاج تميل أحيانًا إلى تحجيمها. "تجربة الإنتاج تقريبًا أحسن تجربة أنا مريت فيها بحياتي في آخر عشر سنين. يعني بتبقى إنتا اللي شايل مسؤولية نفسك مفيش حد يقولك لأ إنتا أخفقت فحاجة أو حتى نجاحك اللي إنتا نجحته ما يديلكش القيمة بتاعته. كانت دايمًا شركات الإنتاج بتعمل كده وكان ده مضمون شركات الإنتاج عمومًا."
في الحديث عن أغانيه وأرشيفه وأبرز هيتاته، بدا أن تامر عاشور يتجنب تسمية أغانيه بالحزينة، ويستبدلها بحرص بوصف "الدراما" الذي كرره كثيرًا، وكأنها حالة أو توجه فني بحد ذاته، وليست مجرد شعور واحد ينقله. يقول تامر في هذا السياق: "الجمهور العربي عامةً بحب الأغاني اللي فيها شجن. مش شرط تكون أغاني حزينة… الأغاني اللي بتعيش، والأغاني اللي كونت مطربين كتير جدًا، هي كلها كانت أغاني دراما مكانتش أغاني مفرحة أو هيتات… اللي بيثبت في ذاكرة المستمع هو الحاجة اللي فيها شجن واللي فيها دراما. كل الأصعدة. حتى المطربين الشعبيين" ويتابع في هذا السياق شارحًا: "المطربين والمطربات الشعبيين حتى، في وقت نجاحهم، يعني زي الأستاذ حسن الأسمر متلًا، كانت الدنيا كلها بترقص على "كتاب حياتي يا عين" متلًا. أغنية دراما. وأمثلة كتيرة جدًا من الزمن ده كل الأغاني اللي نجحتهم واللي خلت ليهم اسم في السوق هي أغاني دراما. ولكن كانوا بيعملوها بأشكل بتليق مع اللي هما بقدّموه".
تحدث تامر باستفاضة عن مفهوم أغنية الدراما، وكيف أصبحت مرتبطة بهويته الفنية بشكل وثيق، وأنها باتت الخط الذي يسير به، وإن أصدر أغاني عاطفية ورومانسية في كل حين، فهو يعلم ما يتوقعه الناس منه. كما أشار إلى أن التركيبة الدرامية للأغنية ليست أمرًا هينًا يخرج بسهولة، بل تتطلب أسسًا وقواعد في الكلمات والألحان وصولًا إلى أسلوب الأداء. ولما سألناه ممازحين إن كان نجاحه في هذا اللون يعني امتلاكه سر الخطة السرية، أجاب بالتسليم ذاته الذي لا يغيب عن كلامه: "مش سر الخلطة والله دي بتبقا من عند ربنا. يعني أنا مفيش حاجات بعملها معينة فبتطلع الأغنية زي ما نحنا بنسمعها. لا هو أنا الناس بتحب صوتي في الأغاني الدراما".