كانت فرقة المصريين مشروعًا أساسيًا في مسيرة مؤسسها هاني شنودة الزاخرة بالإبداع في شتى المجالات الموسيقية. فمن معاصرته وعمله مع آخر رموز الزمن الجميل والطرب في مصر، إلى رحلته في التأليف الموسيقي لروائع لأفلام والمسلسلات المصرية، واكتشافه لأسماء شبابية حينها أصبحت اليوم أيقونات في عالم الفن مثل محمد منير وعمرو دياب، لم يتوقف هاني شنودة عن العمل بشغف على تقديم تأويلاته الخاصة للموسيقى.
إلا أن تجربة تأسيس فرقة موسيقية يحمّلها رؤيته لتنقلها للعالم، كان نصب عينيه طوال عقود، وقد نجح في تحقيقه مع فرقة المصريين لأكثر من عشر أعوام بين منتصف السبعينيات ونهاية الثمانينيات. توقف حينها نشاطهم رسميًا بعد ستة ألبومات، ضمّت أغاني أيقونية تحفظها الأجيال مثل "ماشية السنيورة" و"ما تحسبوش يا بنات" و"الشوارع حواديت". أغانٍ أخرى كانت أقل نصيبًا في الانتشار والجماهيرية وإن كانت مازالت حتى اليوم تعتبر سابقة لزمنها وخارجة عن المألوف، سواء من حيث الآلات المستخدمة في تقديم الألحان وأسلوب توزعها وأدائها. حتى كلماتها جاءت مختلفة، وقد اختارت الفرقة بعناية مواضيعها الاجتماعية والشبابية الخارجة عن ثيمات الحب واللوعة والفراق السائدة في الأغنية المصرية حينها، لتغني الفرقة كلمات شعراء مثل صلاح جاهين وعبد الرحيم منصور وغيرهم.
كان الفرقة قد اجتمعت للمرة الأولى لتضم إلى جانب هاني شنودة عددًا من العازفين وهم تحسين يلمظ وهاني الأزهري وممدوح قاسم وهاني الأزهري، إلى جانب المطرب عمر فتحي، والمطربة إيمان يونس شقيقة الفنانة إسعاد يونس. شهدت هذه الأسماء بعض التبدلات خلال فترة نشاط الفرقة لاحقًا. أما مع وفاة اثنين من أعضاء الفرقة الرئيسيين ممدوح قاسم وتحسين يلمظ في سن صغير، فقد بدا أن الفرقة قد تفككت، وتوقفت إصداراتهم بعدها بشكل نهائي، وقد صرّح هاني شنودة في سنوات لاحقة قائلًا أنه حين توفي تحسين يلمظ شعر أن جزءً منه قد مات، ليتّجه بعده إلى نشاطه الفني المنفرد.
بقيت مع ذلك موسيقى المصريين حاضرة في أذهان وذاكرة الأجيال، وقد تم استخدام أجزاء منها في إنتاجات محلية وأخرى عالمية. كما تمحور جزء من حكاية المسلسل المصري "حالة خاصة" وشخصياته حول أغاني فرقة المصريين، وقد عمل هاني شنودة بنفسه على تأليف موسيقى العمل مستعيدًا العديد من أغاني الفرقة بما يتناسب مع سردية العمل، الأمر الذي أعاد اسم الفرقة إلى الأضواء هذا العام، وسمح بدخولهم إلى قوائم بيلبورد عربية هذا العام، وتحديدًا قائمة 100 فنان، بعد أكثر من ثلاثين عامًا على توقّف نشاطهم. كل هذا دفع هاني شنودة هذا العام إلى إعادة تجميع فرقة متكاملة من العازفين والمؤديين من جيل الشباب، ليجمعهم من جديد تحت اسم فرقة المصريين، فيؤدون أغاني الفرقة في الحفلات الحية بعد مرور أربعين عامًا وأكثر على تفكك الفرقة الأصلية، مع وعود بإصدار موسيقى جديدة قريبًا جدًا. شملت هذه النسخة الجديدة من المصريين كلًا من منى العطار وتينا عدلي وسيف خالد ويوسف مصطفى ويوسف حسن، ومعتز العربي، ورويدة أبو زيدمنى العطار، تينا عدلي، سيف خالد، يوسف مصطفى، يوسف حسن، ودرامز معتز العربي، والإيقاع رويدة أبو زيد وأدوا سويًا للمرة الأولى في مهرجان العلمين هذا العام.
سواء كنتم من جمهور الفرقة وموسيقاها منذ سنوات طويلة، أو سمعتم بهم مؤخرًا وانتابكم الفضول حول تجربتهم، جمعنا لكم عشر معلومات من لحظات متفرقة في مسيرتهم، لتساعدكم على فهم خصوصية تجربة فرقة المصريين.
نجيب محفوظ كان الدافع خلف تأسيس الفرقة
كان نجيب محفوظ مراسلًا صحفيًا لم يفز بعد بجائزة نوبل، حين التقى بهاني شنودة الشاب وهو يعزف مع فرقة كان قد أسسها في بداية مشواره لتقديم كوفرات لأغاني أجنبية. تساءل حينها الأديب الراحل عن سبب أداء الفرقة للأغاني بالإنجليزية، ليسرد له هاني كل ما لا يحبه حول الموسيقى والأغاني المصرية وعناصرها وقواليها، فيرد نجيب محفوظ مقترحًا عليه أن يقدّم إذًا الموسيقى التي يحبها ولكن باللغة العربية، لتكون تلك البذرة الأولى في المشروع المصري بامتياز.
اسم "المصريين" استُلهم من مقال صحفي
يذكر البعض نقلًا عن هاني شنودة أنه كان قد قرأ مقالًا للصحفي محمد أبيل بعنوان "المصريون قادمون" متحدثًا عن فرق غنائية ومشاريع شبابية خرجت في تلك الحقبة لتكتسح المشهد الموسيقي، ليستوحي اسم الفرقة من عنوانه. وفي مقابلات أخرى تحدث هاني عن أن اسم الفرقة ارتبط بعمق بمشروعها كفرقة من الواقع المصري، تروي حكايات الناس وعلاقتهم ببلدهم وقضاياه.
لونجا 79 عُزفت في حفل جوائز الجولدن جلوب 2020
قبل مسلسل "حالة خاصة" بسنوات، كان مسلسل "رامي" من بطولة الكوميديان والممثل وكاتب السيناريو رامي يوسف، قد ضمَّ في موسيقاه المصاحبة عيّنات من أغاني لفرقة المصريين. نجح المسلسل بالوصول إلى جوائز الجولدن غلوب في العام 2020، وفاز رامي يوسف عنه بجائزة أفضل ممثل، وحين صعد إلى المسرح لتسلّم جائزته، عُزفت مقطوعة "لونجا 79" لفرقة مصريين التي كانت قد ظهرت في المسلسل، بحسب عادة منظمي الحفل مع كل عمل يكرّم. ويُذكر أن رامي يوسف تواصل بعدها مع هاني شنودة وتعرّف عليه بعد سماعه للأغاني، وكذلك الأمر مع الممثل العالمي سيلفستر ستالون الذي سمع الموسيقى في تلك الليلة وبحث عن مؤلفها وتواصل معه.
لونجات من ألبوماتهم استخدمت في فواصل التلفزيون المصري
ضم كل ألبوم من ألبومات المصريين لونجا حملت اسم العام الذي صدر فيه الألبوم، وهي قوالب موسيقية شرقية من أصغر القطع الموسيقية العربية، تصاغ على مقياس بسيط، ولها نفس تركيبة البشرف والسماعي. تُعزف اللونجا بشكل منفرد لاستعراض مهارات العازف، وقدّمها هاني شنودة برؤيته المعاصرة إلى جانب الأغاني. ولمّا كانت وصلات موسيقية رشيقة وخفيفة خالية من الكلمات الغنائية، فقد ناسبت استخدامها كفواصل موسيقية في البرامج التلفزيونية. وهذا ما فعله التلفزيون الرسمي المصري في العديد من برامج بعد استئذان هاني الذي رحّب بالفكرة، لتصبح هذه الجمل الموسيقية مطبوعة في ذاكرة جيل من المشاهدين حينها، لربما لم يعرف حينها ما مصدر هذه الموسيقى ومن مؤلفها.
محمد منير أراد أن ينضمّ للمصريين ولم يستطع!
تعرّف هاني شنودة على محمد منير وهو شاب في بداية مشواره، وتشاركا الأفكار والمشاريع وعملا سويًا بالتوازي مع تأسيس هاني للمصريين. تحمس حينها منير للتجربة وأراد أن يكون جزءً منها، لكن الأول لم يسمح بذلك. وجد هاني سنودة ان محمد منير كان حالةً أكبر من أن يكتفي بكونه جزء من فرقة، بل رآه كمشروع فني منفرد وشجّعه على السعي، بل ودعمه في تحقيق تجربته المتفردة.
إيمان يونس سجّلت 6 أغاني في يوم واحد قبل مغادرة الفرقة
كانت إيمان يونس الصوت النسائي الأول والوحيد الذي رافق الألبومات الأولى للمصريين، وقد قدّمت بصوتها العديد من أغاني الفرقة البارزة وعلى رأسها "ما تحسبوش يا بنات". مع الوصول إلى ألبوم "ابدأ من جديد"، وأثناء عمل الفرقة على تسجيل أغانيه، دخلت إيمان يونس الاستديو معلنةً أنها ستتزوج قريبًا، وأن شريكها اشترط عليها التوقف عن الغناء بشكل نهائي. إلا أنها ومع هذا الخبر الحزين الذي زفّته للفريق، أخبرتهم أنها جاءت مستعدةً لوضع صوتها على الأغاني الجاهزة للتسجيل، كآخر يوم لها مع المصريين. وبالفعل، دخلت إيمان يونس يومها غرفة التسجيل وسجّلت بصوتها 6 من أصل 8 أغاني في هذا الألبوم.
ثلاث أصوات نسائية تعاقبت على الفرقة
فيما يلي رحيل إيمان يونس عن فرقة المصريين بعد زواجها، حاولت الفرقة استبدال مغنيتها الرئيسية بصوت نسائي آخر، فاستقدمت الموهبة الشابة راندا، التي عملت معهم على ألبوم واحد قبل أن تتزوج هي أيضًا وتمضي بمشوارها الفني بعيدًا عن الفرقة بعد أن سجّلت بصوتها أبرز أغنياتهم "لما كان البحر أزرق". أما ثالث صوت نسائي غنّى مع الفرقة فكانت منى عزيز التي بقيت مع الفرقة حتى آخر ألبوماتهم ونهاية تجربتهم وقدّمت بصوتها أغنيات أيقونية مثل "ماشية السنيورة" و"أوقات أشوف ملامحك" وغيرها.
"ماشية السنيورة" أول فيديو كليب أنيميشن في تاريخ مصر
صدرت أغنية "ماشية السنيورة" ضمن ألبوم حمل نفس الاسم في العام 1985، وقد غنّتها بصوتها منى عزيز. كتب الأغنية الشاعر الكبير صلاح جاهين، ولحّنها ووزعها كما جميع أغاني المصريين هاني شنودة. كانت تلك الفترة تشهد ظهور أولى الفيديو كليبات في مصر والمنطقة بشكل عام، لكن ما جعل "ماشية السنيورة" بالذات تنحفر في ذاكرة جيل الثمانينيات، هو أنها صدرت كفيديو كليب أنيميشن، كان الأول على الإطلاق في تاريخ الأغنية المصرية.
ليست الفرقة الأولى ولا الوحيدة التي أسسها هاني شنودة
كانت التجربة الأولى لهاني شنودة مع الفرق الموسيقية في فرقة الكوفرات الأجنبية ذات الاسم الفرنسي: لي بوتي شا، وضمّت إلى جانب هاني كل من عمر خورشيد وعزت أبو عوف ووجدي فرنسيس وعمر خيرت. أثارت التجربة الغربية بكل عناصرها فضول وإعجاب الكثيرين حينها، وعلى رأسهم العندليب عبدالحليم حافظ الذي فعل كل ما بوسعه حينها لاستقطاب هاني شنودة للعمل معه. وبالفعل، جمع هاني فرقة صغيرة من العازفين نفسهم تقريبًا للانضمام إلى عبدالحليم والعمل معه على رؤية مشتركة، المشروع الذي لم يبصر النور سوى لحفل موسيقي واحد فقط، قبل أن ينتهي بتردي الحالة الصحية للعندليب ووفاته.
من العمل مع المنتج عاطف منتصر للعمل مع محسن جابر
انطلقت مسيرة المصريين مع تسجيلات صوت الحب للمنتج عاطف منتصر، الذي كان له رؤيته الخاصة التي تضاربت في الكثير من الأحيان مع رؤية هاني شنودة الفنية، لكنهما مع ذلك استطاعا العمل سويًا على 3 ألبومات مميزة شهدت نجاحًا كبيرًا. مع الوصول للعام 1981، وفيما يلي تعاقد صوت الحب مع فرقة فور إم التي أحدثت ضجة حينها، استطاع المنتج الكبير محسن جابر استقطاب المصريين للتعاقد مع شركته عالم الفن، ليقدّم 3 ألبومات للمصريين في الثمانينيات.
المصادر:
https://youtube.com/embed/aDnNnaXnLF0