"لو كل الناس قالت الحقيقة قالت الحقيقة/ تولع في الدنيا حريقة قالت الحقيقة/ هتلوث بيها البيئة اطفي الحريقة/ واقفل كل البيبان". كانت هذه آخر الكلمات التي كتبها ولحنها الراحل حسين الإمام وغنّاها قبل وفاته بأيام عام 2014 في آخر برنامج حواري. صرّح وقتها بأنه سيقدّم الأغنية ضمن السياق الدرامي لمسلسله القادم "كلام على ورق" الذي وافته المنية بعدما صور حوالي 90% من دوره فيه.
الكلمات رغم بساطتها، إلا أنها تبعد كل البعد عن المصطلحات المستهلكة التي اعتدنا سماعها في الأغاني، وتشبه إلى حد كبير شخصيته الفنية وأبعاده الإنسانية، ولكن البعض يعرف الكلمات ويحفظها بفضل فرقة الأندر جراوند المصرية دعسوقة التي أعادت توزيعها وطرحتها عام 2018. ظهرت هذه النسخة من الأغنية ضمن أغنيات الموسيقى التصويرية بالموسم الأول من مسلسل مدرسة الروابي للبنات، الأمر الذي ساهم في رواج الأغنية بشكل كبير وعودتها إلى الواجهة.
كانت إطلالة حسين الإمام على الجمهور خفيفة على القلب سواء كان مقدمًا لأحد البرامج أو ضيفًا أو ممثلًا أو عازفًا ومغنيًا، فهو باختصار توليفة مختلفة لا تشبه أحدًا. كان له باع طويل مع الموسيقى والأغاني، بعدما ارتبط ارتباطاً وثيقًا بجيتاره منذ صغره وترافقا حتى أواخر أيام حياته. إذ حرص والده المخرج حسن الإمام على تعليم أبنائه الموسيقى منذ نعومة أظافرهم، وكانت دائماً سفرياته تعود عليهم بالمفاجآت الموسيقية، من أسطوانات لفرق أجنبية شهيرة، أو حتى موسيقى تصويرية لأفلام أيقونية، لتكون البيئة التي تربى فيها الأخوان حسين ومودي الإمام حاضنة لأية ميول فنية.
سافر حسين مع جيتاره إلى ولاية شيكاغو بعد أن أتم دراسته الجامعية، وكانت نيته أن يكمل تعليمه في مجال الموسيقى لينضم أو يؤسس فرقة تعزف موسيقى الروك التي طالما كان مولعا بها. وبالفعل كوّن فرقة بعنوان هايواي، وعاش حياة الصعلكة هناك بعيدًا عن جلباب أبيه، يعمل ويدرس ويكتشف ذاته. بعد فترة لحق به أخوه الأصغر مودي وهناك أقنعه مودي بالعودة إلى مصر لتقديم هذا النوع المختلف من الموسيقى، ولكن باللهجة المصرية وكانت هذه النواة التي نشأت منها فرقة طيبة.
تكونت الفرقة في أواخر السبعينيات بعدما فتحت فرقة المصريين الباب على مصراعيه مع النجاح الكبير الذي حققّته، وابتدأت الفرق تنطلق الواحدة تلو الأخرى. في البداية، كان حسين ومودي يلعبان وحدهما على كل الآلات، ثم انضم إليهم لاحقًا ثلاثة عازفين آخرين هم الأخوان طارق وعمر الكاشف، وأحمد عز الذي أصبح لاحقا رجل أعمال وسياسي بارز.
أصدروا أولى ألبوماتهم بعنوان الدنيا صغيرة، وكان واضحًا من خلاله تأثرهم بالموسيقى الغربية وخصوصًا الروك والبلوز والفولك. غنوا للصداقة والحب والهجر والعلاقات العابرة ولكن على طريقتهم الخاصة، وحاولوا المزج بين الإيقاع النوبي الخماسي مع موسيقى الروك كما في أغنية أسوان لخلق فيوجن مختلف.
انسحب أحمد عز من الفرقة لعدم إيمانه بأن ما يفعلونه سيجدي نفعا ماديًا، فاستعانوا في ثاني ألبوماتهم "الحب حكايتي" بالشاعر عصام عبدالله في كتابة كلمات معظم أغنيات الألبوم، التي تميزت على كلمات الألبوم الأول. من أبرز أغاني الألبوم كانت "ازاي الصحة" و "ودعي المكان" و"وماله يا سيدي وماله". حاولوا في هذا الألبوم إدخال ألحان وآلات شرقية أكثر من الألبوم السابق، ولكن شاء القدر أن يكون هذا هو آخر ألبوماتهم، لربما لافتقار الفرقة لهوية أو ثيمة تتمحور حولها، فهي عبارة عن أخوين أحبا الألوان الغربية، وحاولوا تقديمها بنكهة عربية بعيدًا عن الشكل الرائج وقتها.
في خضم عمل الفرقة، شارك الأخوان في أولى تجاربهما في الموسيقى التصويرية في فيلم رعب استعراضي ساخر بعنوان "أنياب". ورغم كون الفيلم مستوحى من "The Rocky Horror Picture Show"، وامتلاءه بالإسقاطات السياسية، ووجود نجم الكاسيت وقتها أحمد عدوية بدور دراكولا، إلا أن تنفيذ الفكرة جاء مهترئًا وضعيفًا فنيًا. لا أحد يعلم كيف أقنع الأخوان مودي وحسين والدهم للمشاركة في الفيلم ليمثل ويغني للمرة الأولى في حياته، ولكن من الممكن أن تكون تلك طريقته في مساندتهم.
أما الأغنيات فكانت مبتكرة مثل "كل شئ يشبه لبعض" التي جمعت بين الإيقاع الشرقي مع الروك والبلوز، وقدّمت علي الحجار وأحمد عدوية وطلعت زين في أغنية واحدة بشكل لا يمكن لأحد تخيله. ورغم تعرض كل جوانب الفيلم للنقد اللاذع وقتها، إلا أنهما استطاعا لفت أنظار مخرجين كبار بحسهم الدرامي الموسيقي مثل شريف عرفة ورأفت الميهي وخيري بشارة الذين تعاونوا معهم لاحقًا في أفلامهم.
إلى جانب الموسيقى، أحب حسين كونه ممثلًا، ولم يكن يعبأ بمكانه و اسمه على الأفيش، أو حتى بكون الفيلم تجاريًا أم لا طالما اقتنع بالدور. سار في الموسيقى والتمثيل جنبًا إلى جنب، وكانت حقبة التسعينيات مليئة بالمفاجآت والنجاحات. تعاون في بدايتها مع المخرج خيري بشارة في فيلم غامر حسين لإنتاجه هو "كابوريا" بطولة أحمد زكي ورغدة، كما وضع الموسيقى التصويرية للفيلم وأغانيه والتي أشهرها "أنا في اللابوريا الأه اه ايه / فيه ايه هنبكي عليه الأه ايه". كانت الأغنية نقلة نوعية في وقتها في كلامها وموسيقاها القوية، التي تشبه شخصية حسن هدهد الذي يقتحم الأفراح ليغني غنوة. كما جسدت معاناته بعد أن كان يحلم بأن يكون ملاكم أولمبي، فانتهي به الحال كمهرج يتسلى به بعض الأغنياء في مقابل المال.
وللنجاح الساحق الذي حققه مع أحمد زكي، تجدد التعاون بينهما في فيلم "استاكوزا"، وحققت أغاني الفيلم نجاحًا كبيرًا بكلماتها الغير معتادة وقتها مثل "يا أسطى" و"كوزا لاموزا". يشبه النقد الذي كانت تتعرض له تلك الأغنيات حينها، ما واجهه مغنيو الراب والمهرجانات في بداياتهم، لأن الكلمات المستخدمة لم تكن على الشاكلة المعتادة، ولكن يمكن القول بأن اغنيات حسين الأمام كانت ضمن سياق درامي، فكان هذا هو مخرجه من هذه الانتقادات.
كان من المفترض أن يقدم حسين الإمام فيلما مع يسرا بعنوان "طعم الدنيا"، ولكنه لم يبصر النور. لكنَّ أغانيه نُفذت وصورت منه أغنية "جت الحرارة"، ومن خفتها تعلق بها الجمهور وغنتها يسرا في أكثر من لقاء: "جت الحرارة في قلوب العذارى البيض الأمارة دبلوم التجارة ألووو يا اختي". جاء بعد ذلك فيلم "الوردة الحمراء" ليجتمع الاثنان مرة أخرى، حيث قام حسين بتنفيذ الموسيقى التصويرية للفيلم والتي ضمَّت أغنية "فاضي فاضي".
من التعاونات التي تُذكر كذلك ضمن مسيرة حسين الإمام، كانت تعاونه مع منير. كان حسين من أشد المؤمنين بمشروع محمد منير الموسيقي، ورأى نقاط تلاقي كثيرة في موسيقاه معه، خصوصًا مع تقديم منير لأغاني من جنرات الجاز و البلوز ضمن مشواره. شجع ذلك حسين ليقدم أغنيتين له في ألبوم منير "افتح قلبك" هما "جنني طول البعاد" من كلماته وألحانه وتوزيعه، وكان واضحًا فيها لمحات من موسيقى الروك، والأغنية الثانية هي "يابا يابا" التي لحنها ووزعها وكتبت كلماتها كوثر مصطفى.