محمد منير ونسج صوت الجاز في الثقافة الشعبية الموسيقية

بالتزامن مع اليوم العالمي للجاز نراجع أبرز الألبومات والأغاني المنفردة لمحمد منير المنتمية إلى جنرا الجاز، وكيف وضعه على خريطة الثقافة الشعبية الموسيقية
No Image
Change Font Size 20

إن تحدثنا عن التمرد في موسيقى، بالطبع سيُذكر الجاز كأحد الجنرات على رأس القائمة. وإن ذكرنا مسيرة محمد منير ككلّ، فنحن نتحدث عن أحد أبرز التجارب المتمردة في الموسيقى المصرية والعربية، خاصة منذ بداية الثمانينيات حتى نهاية العقد الأول من الألفينات.

لعلّ أبلغ وأشهر تعبير عن العلاقة بين موسيقى منير والثقافة الشعبية الموسيقية جاء في السينما، عبر جملة على لسان شخصية سلمى من فيلم "أحلى الأوقات"، وهي تقول لشخصية هشام الجلال: "يسرية بتقول إنك مريب، مريب وبتسمع محمد منير"، وكأن الشخص المختلف غير التقليدي يجب أن يسمع منير.

ولتفكيك مفهوم "جاز" منير نستعرض هنا أهم إسهاماته، سواء مشروع ألبوم كامل، أو بعض اللمحات الشهيرة من ألبومات ظهر فيها الجاز بين ألوان موسيقية أخرى، وكانت عناصره حاضرة بوضوح.

"بنتولد" - 1978

يعدّ هذا الألبوم من بدايات علاقة محمد منير بالجاز كجُنرا بشكل واضح. شارك في العمل على الإنتاج الموسيقي له من تلحين وتوزيع كل من هاني شنودة وأحمد منيب، كما شارك بكتابة الكلمات الثلاثي عبد الرحيم منصور ومجدي نجيب وسيد حجاب، ونذكر هنا أن سيد حجاب كان شاعر عامية بالإضافة إلى كونه شاعر أغاني، وهو ما أعطى كلمات أغانيه بعدًا أدبيًا أثقلها.

يبحث الألبوم في نشأة الفرد منذ طفولته، وحالات عدم الاستقرار التي تأتي مع النضج والتقدم في العمر، كما حمل جانبًا عاطفيًا نفسيًا واضحًا، محملًا بالكثير من الصور المركّبة، ورغم اعتماده على البساطة في التوزيع والألحان، والتي أتت تمهيدًا لعملية أكثر تركيبًا ستأتي بعد ذلك في ألبوم "شبابيك" الصادر عام 1981، إلا أنه حوى مُدخلات من الموسيقى الشعبية مثل الطبلة البلدي والجيتار الإلكتروني والأورج مع تتابعات البيانو الذي قدّم لمحات من الفانك.

كما أضاف أحمد منيب عناصر فريدة إلى التوزيعات مثل الجيتار الإفريقي، أو السلم السداسي النوبي، وحضر الكورس بإضافة الأوتوتيون في معظم الأغاني، ليعطي جوًا سرياليًا ويضيف أبعادًا تشبه الحلم أو صدى الصوت الداخلي. "سهيرة ليالي" كانت الأغنية الأبرز في الألبوم، واحتفت بالعالم الليلي للمدينة وبالسهّيرة.

"شبابيك" - 1981

تضمّن الألبوم الأغنى والأثرى في تاريخ محمد منير إسهامات من فؤاد حداد ومجدي نجيب وعبد الحميد منصور، بانسيابية ووضوح والكثير من العواطف المتدفقة، وبرز فيه دور أحمد منيب وحسين جاسر في إظهار الأفرو بيت المفعم بالطاقة مع البالافون. أما التوزيعات فانفرد بها يحيى خليل مع فرقته، وفرد عضلاته مستعرضًا فهمه العميق للجاز، حيث أضافت صوت الدرامز المميز إلى الألبوم، ووظّفت صولوهات الجيتار في مساحة محددة في أغلب أغاني الألبوم باستثناء "الكون كله بيدور"، والتي أتى فيها الصولو في الإنترو، مع إضافة سيمفونية بوجود الكمنجة كعنصر بارز.

كذلك، تبع ألبوم "شبابيك" تعاون آخر لمنير مع يحيى خليل في ألبوم "بريء" في العام 1986. جاء الجاز كضيف ثانوي في هذا الألبوم، لكنه ضيف فعال في صياغة الذروة في كل لحن، والإيقاع العام للألبوم. ناسب ذلك مساحة المشاعر المتقلبة في الكلمات حول الاغتراب بين الغضب والحنين، والوطن كما تجلّى في أغنية "مراكبي"، ثم "جيرة وعشرة"، أو "شبك" المستعارة من التراث الشعبي، والمعتمدة على الدق المتتابع للدفوف، مع الأورج في الخلفية.

"افتح قلبك" - 1994

بعد سنوات من البوب الخالص، والشعبي، والنوبي، عاد منير إلى الجاز من جديد مع بعض اللمحات الواضحة في ألبوم "افتح قلبك" الصادر عام 1994، وبشكل بدا أكثر نضجًا هذه المرة. ففي أغنية "يا هل ترى" تدمج التوزيعات عزف البوق مع إيقاع المزمار. وفي أغنية "عينيكي تحت القمر" تتداخل روح البلوز بالبيانو ذي النوتة المنخفضة مع عناصر الجاز السائدة. كما يميل الأسلوب إلى شكل أقرب للكلاسيكية الحديثة في "لو بطلنا نحلم نموت"، حيث الدرامز الثابت مع صولو البيانو، فيما يدخل المزمار النوبي في "ساح يا بداح".

صدرت تلك الأغاني بالتعاون مع كل من فتحي سلامة، وقد كان عضوًا سابقًا في فرقة يحيى خليل، وحسين الإمام ومصطفى علي إسماعيل، كما ضمَّ أرشيف حسين الإمام العديد من الإسهامات التي دمجت بين الفانك والجاز، لذلك كان قادرًا على خلق توليفة خفيفة وسلسة تحمل رتمًا سريعًا عبر الألبوم.

"طعم البيوت" - 2008

ربما لا يحمل الألبوم طابع الجاز الحديث، لكن وجود أغنية "مش محتاج أتوب" بما حملته من نضج وتمكُّن في الإيقاع والأداء بين الدرامز والجيتار الإلكتروني، يضعها كعلامة من علامات أعمال منير في جنرا الجاز، بمزيج من توزيعات حملت صوت المزمار الرنان، وتنويعات الناي، وصولًا إلى البايس العالي، وبطابع نوبي أتت أغاني "مش محتاج أتوب" التي لحّنها محمد ضياء ووزعها أسامة هندي، بتواجد فريد للجيتاريست الشهير رومان بونكا. و"طعم البيوت" مع الأسماء ذاتها وأضيف إلها الملحن أحمد فرحات، و"يابو الطاقية" التي لحنها وكتبها الأخوان رحباني، ووزعها رومان بونكا بنفسه.

ولا يسعنا في النهاية إلا أن نشير أيضًا إلى ألبوم "مشوار" الصادر عام 1991، والذي أعاد هيتات الجاز في الثمانينيات لمنير مرة أخرى باستحضار العناصر نفسها، لكن بتوزيعات مستمدّة من روح الديسكو والفانك والأفرو، أو بتكثيف للأدوات والتشويش، معززًا مكانتها في "مشوار" محمد منير.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع