في كل مرة يُصدر فيها عمرو دياب ألبومًا جديدًا تنقسم الآراء حوله بين فريقين، يُشيد الأول بقدرة عمرو دياب على إضافة إصدارات جديدة تحافظ على مكانته في القمة، أما الفريق الثاني فيُشكك بجودة الإصدارات الجديدة بالمُقارنة مع الألبومات القديمة المُرتبطين عاطفيًا بها بعمق وعناد. لذا فإن حالة السجال التي نشهدها على مواقع التواصل الاجتماعي مُنذ أن بدأت أغاني ألبوم عمرو دياب تصدر على منصة أنغامي تباعًا على مدار يوم كامل، لا تُعتبر استثناءً، بل هي القاعدة التي يفرضها إرث عمرو دياب الكبير، فالتعليقات التي نقرأها اليوم سبق لنا أن قرأنا ما يُشبهها في الأيام التي تلت إصدار عمرو دياب ألبوماته الأخيرة في السنوات العشر الأخيرة.
يكمن الاستثناء فعليًا في شخصية عمرو دياب الذي يعرف جيدًا كيف يتجاوز في كل مرة حالة الجدل التي تُلازم نتاجه الفني وكيف يبتكر حلول جديدة للمُحافظة على مكانته كرائد لأغنية البوب المصري العصرية، وإن تغيرت ملامحها جيلًا بعد جيل. يتكون ألبوم مكانك من 12 أغنية، تتنوع توزيعاتها ما بين المقسوم والفلامنكو والديب هاوس، وترسم بكلماتها غير التقليدية مواقف رومانسية شاعرية تُناسب العُشاق الذين يعيشون حالات مُتباينة في مُختلف مراحل العلاقات العاطفية. يُمكن أن نقرأ الألبوم من خلال الاختلافات فيما بينها.
"ملازمنا خياله وطيفه فين ما نروح"
تظهر ثيمة الشوق والحنين كالأكثر حضورًا في أغاني الألبوم، وتفرعات مفردة الوِحشة هي الأكثر تكرارًا بين مُفرداته، فمنها يُشتق اسم أولى إصداراته، بيوحشنا، التي كتبها تامر حسين ولحّنها مدين ووزعها أحمد إبراهيم. أما ثاني أغاني الألبوم، سلامك وصلي، فيستخدمها للتعبير عن حالة الشوق المُتبادلة، حيث يرد بالأغنية التي كتبها محمد القاياتي ولحّنها محمد يحيى ووزعها أحمد إبراهيم: "سلامك وصلي/ وأتاريني واحشك زي ما أنت واحشني ياللي/ كنت وهتفضل ليك بقلبي مكان كبير". يتم كذلك استخدم المُفردة ذاتها في الأغنية الرئيسية التي تحمل اسم الألبوم، مكانك، التي كتبها تامر حسين أيضًا ولحّنها عمرو دياب بنفسه ووزعها أحمد إبراهيم، حيث يرد فيها: "ياما شغلتني/ ياما وحشتني".
بالإضافة إلى هذه الأغاني الثلاث، تحضر ثيمة الشوق أيضًا في أغنية ما بتغبش، من كلمات وألحان عزيز الشافعي وتوزيع أحمد إبراهيم، ليتمكن عمرو دياب من رسم عدة أوجه للحكاية ذاتها من زاوية مختلفة في كل أغنية. ففي أغنية بيوحشنا، يستتر عمرو دياب خلف ضمير الجمع ليُعبر بحذر عن شعوره دون الانغماس بالتفاصيل، وفي أغنية مكانك يُدلي باعترافاته التي يؤكد فيها على عدم قُدرته على تجاوز القصة العاطفية التي مضى على انتهائها وقت طويل، وفي أغنية ما بتغبش يستكمل اعترافاته ويُبرر تصرفاته التي قد توحي بأنه قد تجاوز الأمر فعلًا. أما أفضل أغاني هذه الثيمة فتظهر مع سلامك وصلي، التي يرسم فيها عمرو دياب موقفًا رومانسيًا له جاذبية خاصة، يُذكرنا بأغنية أديني رجعتلك التي مضى على إصدارها قُرابة 22 سنة، ليُغني عن ردة فعله عندما سمع النداء أو السلام، ويكتب نهاية سعيدة لقصة لوعة الاشتياق والليالي الموحشة.
"ماخرجتكش يعني من الجنة"
وعلى نقيض الفئة الأولى من أغاني الألبوم، يظهر عمرو دياب بحلة مُختلفة كليًا في أغانٍ أخرى، يُعبّر فيها عن قدرته على تجاوز علاقات الحب منتهية الصلاحية بسرعة والمُضي قُدمًا من بعدها. لعل أبرز أغنيات هذا النوع في الألبوم أغنية معرفش حد بالاسم ده، من كلمات أيمن بهجت قمر وألحان وتوزيع أحمد إبراهيم، ففيها يصل عمرو دياب إلى مرحلة إنكار العلاقة تمامًا ورغبته بتخطيها وكأنها لم تكن موجودة بحياته أصلًا: "معرفش حد بالاسم ده/ أنا اللي تاه عقله وولقاه/ معرفش حد بالاسم ده/ موهوم بقى وربك هداه/ هعتبره وقت فراغ فات/ أو حد أنا اتسليت معاه". أما في المعنويات مرتفعة، الأغنية الختامية من الألبوم، التي كتبها أيمن بهجت قمر ولحّنها عزيز الشافعي ووزعها وسام عبد المنعم، تتكرر الثيمة ذاتها ولكن بسياق مُختلف نسبيًا، تحولت فيه الذكريات الأليمة إلى ماضٍ لا يؤثر على الحياة التي ينطلق إليها: "المعنويات مرتفعة/ عيشة زمان دي ما هيش نافعة".
"يا قمر لو في تلاتة منك هيبقوا الأهرامات"
في سياق مُختلف كليًا، يُقدّم عمرو دياب في ألبومه بعض الأغاني الغزلية، التي يُثبت فيها قدرته على التقاط لغة الأجيال الجديدة، أبرزها أغنية يا قمر، التي كتبها مصطفى حدوتة ولحّنها عمرو دياب بنفسه ووزعها وسام عبد المنعم. تعتمد الأغنية على لحن وتوزيع يبدو مستوردًا من التسعينيات وإن اختلف أسلوب كتابة كلماتها عن شكل الأغاني الغزلية التي كانت سائدة في تلك الفترة. ظهرت تركيبة الأغنية ككل شديدة الجاذبية والذكاء، مع تكرار الفكرة ذاتها على مدار الأغنية مع التقدم بالعد، لتزرع يا قمر الابتسامات على وجوه المستمعين. تبرز بين الأغاني الغزلية أيضًا أغنية الكلام ليك إنت، التي كتبها تامر حسين ولحّنها محمد قمّاح ووزعها أسامة الهندي، لتُذكرنا بأغاني عمرو دياب الغزلية في نهاية التسعينيات وبداية الألفية.
"في حاجة ناقصة ولا ننزل بالجاتو"
أما الفئة الأخيرة من الأغاني فلا تجمعها ثيمة أو حالة عاطفية واضحة، وإنما يجمعها تناولها لحالات ومشاعر غير مفهمومة، تعتمد بقوامها على الإفيهات وعنصر المُفاجأة. من بين أغاني هذه الفئة واخدين راحتهم، التي كتبها محمد البوغة ولحّنها محمد رحيم ووزعها وسام عبد المنعم، والتي تُعبّر عن حالة ملل من علاقة غير مرغوبة بكلمات غير تقليدية تكثر من الإيفيهات، قد لا نجد لها شبيهًا في مسيرة عمرو دياب سوى أغنية فاكرني يا حب من الألبوم الماضي. تتميز الأغنية أيضًا بالفواصل الموسيقية، التي تبدو مزيجًا من المقسوم التسعينياتي والهيتات الجديدة التي تستوعب فيها أغاني البوب تأثيرات الموسيقى الشعبية. كما يمكن وضع أغنية ظبط مودها ضمن ذات الفئة، التي كتبها بهاء الدين محمد ولحّنها محمد يحيى ووزعها عادل حقي، والتي تبدو وكأنها درس يُمليه عمرو دياب على جمهوره في كيفية التعامل مع الأنثى.