تصدر تامر عاشور قائمة بيلبورد 100 فنان للمرة الأولى، بعد إصدار ألبومه الجديد "ياه"؛ الذي أصدره في منتصف شهر يناير/ كانون الثاني 2025. يأتي هذا الإنجاز بعد عام من تصدر عاشور قائمة بيلبورد هوت 100 بأغنيته "هيجيلي موجوع"، التي حصلت على جائزة أغنية العام في النسخة الأولى من حفل جوائز بيلبورد عربية، الذي أُقيم في الرياض في شهر ديسمبر/ كانون الأول 2024. وبذلك يُصبح تامر عاشور ثالث فنان يتمكن من تصدر القائمتين الرئيسيتين في بيلبورد عربية: 100 فنان وهوت 100، بعد شيرين عبد الوهاب والشامي.
يضم ألبوم "ياه" 11 أغنية، تتنوع بين أساليب موسيقية مختلفة، لكنها تشترك جميعها في تقديم تدرجات من ألوان الحزن والشجن. يُبحر الألبوم في عوالم المشاعر المجروحة، مقدِّمًا مزيجًا من الفقد والخيبة والاشتياق والتصالح مع الألم. فمن مرارة الخيانة في "ياه"، إلى عذاب الذكريات في "يوم ما تنسى"، وصولًا إلى الاستسلام لعبثية الفراق في "ماشيين"؛ ليعكس الألبوم مراحل متباينة من الحزن، تتدرج بين الألم العميق والتعايش معه.
مع ذلك، لا يخلو الألبوم من لحظات الأمل الباهت، كما في "حبك رزق" و"قصر بعيد"، التي تبدو وكأنها استراحة قصيرة من الدوامة العاطفية التي تسيطر على العمل ككل. وفيما يلي سنحاول قراءة الألبوم، من خلال الإضاءة على التدرجات في ألوان الحزن فيه:
الخذلان: بداية السقوط
في الأغنية الافتتاحية "ياه"، التي يحمل الألبوم اسمها وهي من كلمات محمود عبد الله وألحان محمدي وتوزيع أحمد إبراهيم، يتجلى الإحساس بالخذلان والخيانة، الذي يُمثل بداية السقوط وانهيار العلاقة لترتسم معها أولى درجات الشجن؛ حيث يتم تصوير الحبيب في غالبية الأغاني كطرف لا يُقدّر الحب ولا يحترم العشرة.
أغنية "ياه" تلخص هذا الإحساس بالخديعة والندم، حيث يرد فيها: "خان ليه؟ شاف إيه مني؟/ ما يقول اللي شافه" و"بسهولة/ إديته عمري وباعه/ إديته سري وذاعه". وتتميز أغنية "ياه" بالاعتماد على الهارموني بين خطوط الجيتارات والكمنجات، بمرافقة بيت إلكتروني بطيء، وتبدأ الأغنية باندفاع مع طاقة هائلة تميز الأغنية، قبل أن تبدأ وتيرتها بالانخفاض وتغوص بالحزن مع الغناء على مقام البياتي.
الرغبة بالانعتاق: لا قيود تُكبل العشاق
في العديد من الأغاني يؤكد تامر عاشور على رغبته بالانعتاق إذا ما شعر بأن الاستمرار في العلاقة قد يؤثر على صورته، التي لا يرغب بأن تلوثها مشاعر الشفقة أو أن تُعطي أي انطباع بالضعف. يتجلى ذلك بالأداء الساخر بأغنية "دراما"، حين يُغني: "لو يعني عايز تمشي امشي مع السلامة/ متشيلش هم وروح ومتقلبهاش دراما". كتب كلمات "دراما" عمرو عبده علي ولحّنها عمرو الشاذلي ووزعها محمد ياسر، وتعتمد بتوزيعها على الجيتارات والكلارينيت في بنية موسيقية تُخفف فيها السخرية من حدة الشجن.
الفقد والحنين: جروح لا تلتئم بسهولة
بعد انتهاء العلاقة، يأتي الإحساس بالفراغ والاشتياق للحبيب الغائب. تظهر هذه الثيمة في أغنية "يوم ما تنسى"، التي كتب كلماتها جمال الحولي ولحّنها محمد خلف ووزعها أماديو، والتي تسرد معاناة العاشق مع الذكريات العالقة: "كل حاجة ما بينا عايشة بتطاردني/ كل ذكرى وصورة ليها في قلبي روح". تعتمد أغنية "يوم ما تنسى" على ثنائية الجيتار والناي، لخلق حالة من الشجن يُعززها أداء تامر عاشور الذي يفتتح الأغنية بصوته قبل أن تتداخل خطوط الآلات الموسيقية.
بنفس الأسلوب تعكس أغنية "غيبة الحبايب" فقدانًا أكثر عمقًا، مع سيطرة كاملة للحبيب الغائب على المخيلة: "مبقتش أشوف بعنيا غيره وهو غايب/ شايفين بتعمل فينا إيه غيبة الحبايب". كتب كلمات الأغنية عمرو المصري ولحّنها عمرو الشاذلي ووزعها عمرو الخضري، وفيها يعود تامر عاشور للاعتماد على الهارموني بين الجيتارات والكمنجات؛ الأكثر استخدامًا في الألبوم.
الصراع الداخلي: بين التقبل والإنكار
مع الوقت، يتحول الألم إلى محاولة للفهم والتعايش. في "مكرهتوش"، التي كتب كلماتها عليم ولحّنها مصطفى العسال ووزعها أحمد جنيد، نجد شخصية تتأرجح بين الرغبة بالحفاظ على الصورة القوية والمثالية للذات وما بين الإقرار بالانكسار والألم. ولكن ما يُميز الأغنية ويجعلتها مختلفة عن كل ما سبقها من أغاني تحمل الثيمة ذاتها، هو الإنكار إلى الدرجات القصوى التي ينهار فيها المنطق، ليختلق بعد الصراع الداخلي روايته الذاتية التي يتعايش معها ويتبناها ويرسم المنطق الخاص به في العلاقة مع الآخر: "أنا مكرهتوش/ ولا هقدر أقول أنا ما بحبوش/ ولا مين غلطان/ ولا مين خسران/ ولا مين اللى جمايله مايتعدوش".
في أغاني أخرى تتكرر الثيمة ، مثل "مرتحناش"، التي كتب كلماتها حسام سعيد ولحّنها إسلام رفعت ووزعها فهد. في هذه الأغنية يبدو الصراع الداخلي كحالة مستمرة ويتم الاعتماد على يعترف بها العاشق أن الفراق لم يكن نهاية الألم، بل بداية معاناة جديدة: "مرتحناش دقيقة/ جوانا خوف ونار وضيقة". يصل الشجن إلى درجة أعلى في أغنيتي "مكرهتوش" و"مرتحناش" مع استخدام آلة التشيلو.
العودة الحتمية بعد الندم: محاولة فاشلة لإحياء الماضي
في أغاني تامر عاشور هناك دائمًا فصل جديد من الحكاية يبدأ بعد انتهاء الحب، يتمثل بعودة الحبيب التي يتنبأ بها بأغنية "هيجيلي موجوع"، والتي تتردد أصداؤها في أغاني الألبوم الجديد؛ فالحبيب الذي رحل سيعود محاولًا استعادة ما فقده، لكن هذه المحاولة تقابل بالرفض القاطع.
يتجلى هذا بوضوح في "حبيبي القديم"، التي كتب كلماتها أحمد المالكي ولحّنها محمدي ووزعها أحمد أمين، وفيها يؤكد تامر عاشور مجددًا على أن الحبيب سيعود حتمًا ليجر أذيال الخيبة إن كان يتأمل بأن درب العودة سيكون ممهدًا: "جاب أمله فيا منين/ عشان أعيش على راحته/ ده أنا عندي له خبرين/ الأولاني سامحته/ والتاني مش هرجعله".
تتميز أغنية "حبيبي القديم" بأنها الأكثر نوستالجية بين أغاني الألبوم حتى بالستايل الموسيقى، فهي تُشبه الأغاني الحزينة على إيقاع المقسوم التي كانت دارجة بنهاية التسعينيات، وتعتمد بتوزيعها على الجيتارات والطبلة الشرقية. الثيمة ذاتها نجدها بأغنية "جم شرفوا" أيضًا، التي تعكس سخرية واضحة من عودة الأشخاص الذين رحلوا بعد أن أذتهم الحياة: "راحوا ولفوا لفتهم/ وبعد ما الدنيا أذتهم/ راجعين يكملوا لعبتهم". "جم شرفوا" من كلمات أحمد عيسى وألحان مدين وتوزيع أمين نبيل، وفيها يتم الاعتماد على بيت رشيق يتداخل مع خطوط وتريات تُحافظ على حالة الشجن السائدة في كل الألبوم.
التعافي والبحث عن بداية جديدة
بعد رحلة طويلة من الحزن، يأتي بصيص الأمل في بعض الأغاني التي ترمز إلى التعافي والقدرة على الحب من جديد. في "حبك رزق"، التي كتبها حسام سعيد ولحّنها عمرو الشاذلي ووزعها هشام البنا، نجد صوتًا مختلفًا أكثر تفاؤلًا: "حبك رزق جه ف وقته/ عوض من ربنا ليا عن اللي راح"، وفيها ينخفض الشجن إلى أدنى درجاته في الألبوم مع الاعتماد على الساكسفون في الصولوهات.
وفي الأغنية الختامية ذات الموسيقى الحالمة، "قصر بعيد"، يتجلى الجانب الآخر لشخصية تامر عاشور، الذي يبدو أكثر إصرارًا على ملاحقة الحب المثالي الذي يتوق إليه: "أنا عمري ما أسيب أحلامي تغيب/ لو لينا نصيب فالحب حياة".
كتب كلمات أغنية "قصر بعيد" محمد البنداري ولحّنها ووزعها أحمد عبد السلام، وترسم الأغنية عالمًا خياليًا حالمًا، قد يكون غريبًا عن أغاني تامر عاشور بواقعيتها، ولكنها بالوقت ذاته، ومن خلال الملامح الدرامية التخليلة، تعكس الشخصية الحالمة التي تقف خلف تلك المشاعر التي نتلقاها عادةً كحكايات من الواقع: "في قصر بعيد ولا في الاحلام/ ساكنة أميرة عمري الجاي/ وأنا من تفكيري لا بعرف أنام/ نفسي أعرف بس أوصله ازاي/ حراسها كتير/ والوضع خطير/ وأنا لا أمير/ ولا حيلتي جاه/ وقالولي أفوق/ وأرجع بالذوق/ ومبصش فوق". لنجد في نهاية أطياف الحزن والدراما التي استعرضها الألبوم، الجانب الرومانسي لدى تامر عاشور، الذي لربما كان الأصدق تعبيرًا عن واقع النجم واستقرار حياته العاطفية في الآونة الأخيرة.