من "ليالي الحلمية" إلى "الكبير": الأنواع الموسيقية في شارات الدراما المصرية

عرفت شارات المسلسلات المصرية تجارب منوّعة في فترتها الذهبية في التسعينيات وحتى عام 2010 وشهدت مشاركة أسماء فنانين منوعين نقلوا هذه الشارات إلى مستوى آخر
No Image
Change Font Size 20

تعتبر صناعة الدراما المصرية واحدة من أغزر الصناعات الفنية إنتاجًا في المنطقة، ولطالما ارتبطت هذه الأعمال بخط الإنتاج الموسيقي في عالم الشارات مع أسماء متغيرة و متعاقبة من كتاب وملحنين ومطربين، وارتبطت في نفس الوقت بنمط الصناعة وأدواتها الإنتاجية. أثرت التترات الموسيقية الأعمال الدرامية وتأثرت بها، عاشت فترة ذهبية في التسعينيات واكتسبت عناصر منوّعة، بينما شهدت فترات أخرى محدودية بالإنتاج، فيما تأخرت بعض الألوان والجنرات في الدخول على الخط. نستعرض في هذا المقال أبرز التجارب الموسيقية المرتبطة بالإنتاج الموسيقي الدرامي المصري عبر عشرين عامًا.

التسعينيات وعصر الشارات الذهبي

شهدت التسعينيات ولادة أكبر عدد من تترات المسلسلات الأيقونية، والتي استمرت بالظهور رغم مرور الوقت عليها، فإن لم تظهر لك في استعارة تراجيدية أو كوميدية حديثة قد تجدها في خلفية فيديو لصانع محتوى، أو حتى ريل على الإنستجرام أو تيك توك. شكلت هذه التترات مرحلة مهمة من مسيرة الموسيقى الدرامية المصرية، أولًا لأن هذه المرحلة كانت بحاجة إلى مقدمة موسيقية لتقديم الأعمال الملحمية والروائية في المسلسلات، مع أسماء مثل أسامة أنور عكاشة ومحسن زايد وغيرهم. ثانيًا، اعتمدت أغلب الأعمال على المجازات الأدبية في كتابة الكلمات وعلى الشعر العامي المكتوب ليس فقط الغنائي، كما ظهر التأثر بالموال الشعبي والصعيدي بوضوح سواء بالكلمات أو بالألحان.

حملت الألحان والتوزيعات الكثير من الطبقات، نأخذ كمثال توضيحي تتر مسلسل "الضوء الشارد" 1998 للموسيقار ياسر عبد الرحمن، والتي جمعت بين الموسيقى السيمفونية واللحن الصعيدي الثقيل مع آلات الربابة والمزمار والعود والناي. خلق هذا المزج عالم مركب ناقل لمشاعر مستوحى من الروح الداخلية للمجتمع وصراعاته، بالإضافة إلى والروح الجغرافية والثقافية لبيئة المكان ما جعل منها أيقونة الأفراح الصعيدية في المدينة. تألقت أسماء مثل علي الحجار ومحمد الحلو وحنان ماضي بالغناء، بينما توج سيد حجاب نفسه نجمًا للكتابة، كما شارك عبد الرحمن الأبنودي بكتابة تتر مسلسل "ذئاب الجبل" 1992، وأحمد فؤاد نجم في بورتريه وصفي محرك للشجن نحو الإسكندرية في مسلسل "زيزينيا" 1997.

تنوعت ألحان عمار الشريعي في المسلسلات الوطنية بالإيقاع الحربي مثل "رأفت الهجان" والتتر الكلاسيكي الشعبي في "أرابيسك" 1994، بينما جاء الأسلوب الشعبي الصرف في "لن أعيش في جلباب أبي" 1995 مع حسن أبو السعود. كما اشترك مع ميشيل المصري في تتر "ليالي الحلمية" 1987 وقد مثّل مفاجأة وقتها لقدرته على مزج الروح السيمفونية المعبرة مع الأسلوب الشعبي و المستلهم من صعود نجم الموسيقى الشعبية وقتها أحمد عدوية. هذا ومزج يسار عبدالرحمن الأسلوب السيمفوني مع الصعيدي، وقدم في هذا المجال ثلاث تترات هي: "الضوء الشارد" و"الوسية"1990 و"المال والبنون"1992، لعب خلالها على إيقاعات الكمنجة الشرقية مع الآلات الموسيقية الصعيدية، وشاركه في هذا الخط الدكتور جمال سلامة في "ذئاب الجبل" عام 1992.

بداية الألفية الجديدة: محاولات التمرد

لم تختلف كثيرًا الأمور عند بداية الألفينات رغم تراجع الألحان الصعيدية أمام التخت الشرقي والأسلوب البلدي، حتى أن المسلسلات الصعيدية مثل "الليل وآخره" قد حملت إيقاع صعيدي بلا آلات صعيدية. صعد صوت أنغام مع عمار الشريعي وفؤاد حجاج في "حديث الصباح والمساء" سنة 2001، كما شاركت عفاف راضي مع سيد حجاب وعمار الشريعي في " أوبرا عايدة سنة 2000 . توقف الأسلوب الشعبي عن البروز في الأعمال الدرامية، حتى في المسلسل ذات الطابع الشعبي "عائلة الحج متولي"2001، والذي دمج فيه ميشال مصري موسيقاه مع موسيقى زفة الأفراح البلدي. سيطر في هذه الفترة اسم مدحت صالح في عدد من الأعمال مثل تتر مسلسل "حضرة المتهم أبي" في 2006 مع ياسر عبد الرحمن وأحمد فؤاد نجم، وتتر مسلسل "عباس الأبيض في اليوم الأسود" سنة 2004.

شهدت هذه الفترة محاولات تجريبية مختلفة لاقت انتشارًا، منها موسيقى عمر خيرت في تتر مسلسل "يا رجال العالم اتحدوا"، والذي قدم لونًا جديدًا متسقًا مع الموضوع الكوميدي للمسلسل. كما دخل أيمن بهجت قمر على خط التأليف الغنائي، افتتح تعاوناته مع محمود في مسلسلات يحيى الفخراني من "عباس الابيض في اليوم الأسود". أمّا أكثر التجارب راديكالية كانت أن يغني مغني شعبي مثل هاني العبد تتر مسلسل "عفاريت السيالة" 2004 من كتابة أسامة أنور عكاشة وألحان عمار الشريعي.

مع انتقال عدد كبير من الإنتاجات من شركات الدولة إلى شركات الإنتاج الخاصة المصرية والخليجية، بدأت تجارب البوب تأخذ مساحة أكبر مع مطربين مصريين وغير مصريين. بدأ نجم سيد حجاب بالخفوت مع صعود أيمن بهجت قمر بالكتابة، الذي قدم مع محمود طلعت تعاونين مع هشام عباس في تتر مسلسل "يتربى في عزو" 2007 ونانسي عجرم "إبن الأرندلي" 2009 . تعاون أيضًا مع وليد سعد وحسين الجسمي في شارة مسلسل "أهل كايرو" 2010، ومع مع أيمن بهجت قمر وعلي فتح الله في شارة "العيادة". أما تجربة مسلسل "الكبير" 2010 مع أحمد مكي، فقد شهدت دخول موسيقى الهيب هوب على المسلسلات الكوميدية، وقد وقفت رأسًا برأس مع التترات التراجيدية مع نهاية العشرية الأولى من الألفينات.

الجدير بالذكر أنه مع تنوع المنتج الدرامي أكثر عام 2011، زاد تنوع التجارب الموسيقية مع دخول أسماء جديدة من مشهد البوب، بالإضافة إلى موسيقيين عملوا على تقديم موسيقى تصويرية للأفلام مثل عمرو إسماعيل وخالد حماد، أو أسماء جديدة مثل مصطفى الحلواني ومحمد مدحت ما أثرى هذه التجارب الدرامية بشكل أوسع.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع