فن الملحون المغربي: التراث الموسيقي بين الأمازيغي والعربي والأندلسي

تعرفوا على اللون الموسيقي التراثي القادم من المغرب بتأثيراته التاريخية والمعاصرة في الكلمة وفي اللحن
No Image
Change Font Size 20

أدرجت منظمة اليونسكو من خلال اللجنة الحكومية الدولية لصون التراث الثقافي في 6 ديسمبر/كانون الأول في إطار دورتها الـ 18 المنعقدة بجمهورية بوتسوانا، فن الملحون في القائمة التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للمملكة المغربية.

يُعتبر فن الملحون اختزال لمزيج الثقافة الأمازيغية والعربية والأندلسية، فهو يدمج فن العيطة الشعبي والأندلسي الغرناطي المعروف في المغرب، ويتخذ لغته من اللهجة العامية-الدارجة، ومن مضامين اللغة الفصحى بشعرها ونثرها المادة التي تختار مواضيعها بين التوسلات الإلهية والمدائح النبوية والربيعيات والعشق والهجاء والرثاء.

يذكر بعض المؤرخين، أن فن الملحون المغربي ظهر لأول مرة في العهد الموحدي خلال القرن السابع الهجري، فيما يقول آخرون أن الظهور الأول لهذا الفنّ كان خلال عهد المرابطين، بينما يقول آخرون إنه يرجع إلى العهد السعدي، وقد نشأ في مدينتي سجلماسة وتافيلالت ونما في مراكش وفاس ومكناس وسلا. فبعض المدن المغربية التي كانت آنذاك تعرف انتشار الموسيقى الأندلسية بها، جعلت فن الملحون يتأثر بها ويصبحان عنصرين فنيين لإنتاج أغنية واحدة. هذا الترحال الفني أسس بشكل او بآخر صورة الملحون وجعله يستمر لقرون، ويتنوع ويتفرّع ويتغذى من الحضارة الفنية داخل كل مدينة أقام فيها.

اعتمد نظام الملحون على الكلمة أكثر من الموسيقى، فنصوصه المغناة موزونة وقريبة من الشعر العربي الكلاسيكي وتستعير البلاغات الأدبية، لكن اعتمادها على السرد فهو الذي يشكل القاعدة لكل أغاني الملحون. ومن أبرز البحور الشعرية لهذا الفن، البحر المشرقي وهو الأقرب ببحوره إلى الشعر العربي الفصيح، في حين هناك بحور أخرى ذات جذور أندلسية قريبة في بنياتها إلى بنيات الموشحات، وأخرى تشابه في بنياتها بنيات المقامة النثرية. فأغلب نصوص الملحون أتت حول موضوعين؛ الأول ارتبط بمدح الرسول ويضم أيضًا الحِكم والمواعظ والمحكيات الدينية، والثاني يسميه أهل الميدان العشّاقي، ويشمل كل النصوص الغزلية التي تعبر عن مشاعر العاشق نحو محبوبته.

إن التعدد الوظيفي للملحون يضعه في مرتبة الأغاني التراثية المركبة، وهي علم له مراجعه وقوانينه ونظمه وبنيته وجماليته، وأُلفت فيه دراسات ومؤلفات مونوغرافية تعنى بهذا اللون الغنائي. ويتميز فن الملحون بعدم مراهنته على الجمهور الواسع، إذ تحتاج جلسة الملحون عدداً من الأفراد الذين يحسنون الإصغاء للقصائد ويطربون للنقرات القليلة على الآلة الوترية التي يصاحبها إيقاع خفيف ينخفض أكثر حين يشرع المغني في إنشاد كلماته، ولا يعلو إلا في اللحظات الأخيرة التي تفضي إلى نهاية الأداء.

قبل أن تظهر علامات التحديث في المجتمع المغربي ظل غناء الملحون لقرون طويلة حكراً على الرجال، يتغنون به كنوع من التعبد الروحي أو في تجارتهم وترحالهم وصناعتهم وأعراسهم وحفلاتهم. لكن ما إن بدأ التحديث يمس الفن المغربي منذ السبعينيات، ظهرت الفنانة ثريا الحضراوي الملقبة بسيدة الملحون باعتبارها سفيرة للملحون كأول امرأة تقدم هذا الفن في العلن وعلى خشبات المسارح العالمية.

ودخل فن الملحون مع تجربة ثريا الحضراوي عصراُ من الحداثة الموسيقية، إذ كانت تجربتها مع العازف الروسي ناباتوف أكثر تجربة عميقة في تاريخ فن الملحون. ومن أشهر القصائد التي أدّتها ثريا هي "قصيدة الشمعة" التي كتبها الشاعر، الشيخ محمد ابن علي ولد رزين والذي كان من أشهر شعراء الملحون.

وسارت فنانات أخريات على نهج ثريا الحضراوي فغنين الملحون واستطعن أن يلمعن في هذا الفن، من بينهن ماجدة اليحياوي التي كانت من أوائل من يتغنى بقصائد الملحون وكانت من أبرز من يقدمن سهراته على القناة التلفزية المغربية. وأعادت الفنانة نبيلة معن تقديم قصيدة "لغزال فاطمة" بصوتها فمنحتها فرصة للوصول إلى الجيل الشاب. ومن الأصوات النسائية التي غنت قصائد الملحون كقصيدة "لما بدا منك القبول" وأتقنتها عبير العابد، أما الفنانة سناء مرحاتي فاستطاعت أن تعيد غناء الملحون بطريقة مُجددة، ومن بين القصائد التي أعادتها للحياة هي قصيدة "تاج الملاح".

بالرغم من تراجع الإقبال على هذا النوع الموسيقي، التراثي إلا أنه مازال يحضر في المناسبات المغربية الدينية كعيد الفطر والمناسبات الإحتفالية كالأعراس والمناسبات الخاصة للعائلات المغربية.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع