ذات يوم في أربعينيات القرن الماضي، وصلت إلى مسامع الفنان الشعبي التونسي علي واردة الذي كان يسكن في قرية صغيرة تدعى العطايا في أرخبيل قرقنة، معلومة تشير إلى أن جاره وصديقه الأعرج الملقب بـ"حمودة" غاضب منه.
لم يقدر الشاعر على تحمل زعل صديقه، وذهب إليه لكي يطيّبَ خاطرَه، وعندما وصل إلى باحة منزله، بدأ في ترديد هذه الكلمات، وهو يضرب على الدف: "جاري ها حمودة/ ها جاري دبّر عليّ يا أمّه/ الناس تبات رقودة/ وأنا نومي حرم عليّ يا أمّه/ حمودة ها غالي/ يا اللي عليك دلالي/ سيدي خويا/ عيون الريم الجالي/ جفاني وبعده بدّع بيّا". سرعان ما وصلت هذه الكلمات إلى مسامع السكان في جزيرة قرقنة، ولاقت إعجابهم، فترنموا بها، ورددوها في المناسبات والأعراس والحفلات.
واصلت الكلمات المشبعة بروح إنسانية إبحارها في ربوع البلاد، وعندما وصلت إلى ولاية صفاقس، فلُحنت وأدخلت عليها إضافات عديدة. وفي سبعينيات القرن الماضي، كان نجم الفنان أحمد حمزة يسطع، فقام بإعادة توزيع أغنية "جاري يا حمودة". وعندما غناها حققت شهرة واسعة، حيث تغنى بها أكثر من فنان، من أمثال المطرب عبد الله بالخير، وعليا التونسية، ولورا خليل.
أنكر حمزة لاحقًا أن تكون الكلمات لعلي واردة، مؤكدًا أنه استقاها من تراث جزيرة قرقنة. دفع النجاح الكبير الذي حققته الأغنية، بالفنان أحمد حمزة إلى توثيقها بإضافة كلمات أخرى من البحر الشعري نفسه، وكان ذلك مع الشاعر التونسي محمد النيفر، ثم سجلها بجمعية حقوق المؤلفين العام 1973، لذلك أصر أحمد حمزة دومًا على أن فضل شهرة هذه الأغنية يعود إليه وحده.
إلا أنَّ ورثة علي واردة يرون غير ذلك، وأعلنوا أكثر من مرة توجههم إلى القضاء، وتوفي أحمد حمزة في العام 2011، لكن الجميع بقي يطرب على لحن وكلمات أغنية "جاري يا حمودة"، بغض النظر إن كان الصفاقسي أحمد حمزة، يمتلكها بالفعل، أم أنها تعود تاريخياً إلى ابن أرخبيل قرقنة، علي واردة.
ظهر النص الأصلي للمرة الأولى عبر الشرق بودكاست.