بين لقاءنا الأول مع منال قبل أكثر من عام ومقابلة غلاف بيلبورد عربية لشهر مارس 2025 قاسم مشترك هو شغفها الواضح بتكوين هوية فنية تهدف إلى كسر التوقعات المفروضة حول صورة المرأة من خلال الموسيقى.
في أغلب كليباتها، نراها محاطة بالنساء. في "سلاي" بالاشتراك مع إل غراندي طوطو، تظهر منال بصورة غير تقليدية تجعلها أقرب إلى زعيمة قوية لا تكترث بالقيود. أما في "ما خلاو ما قالو" فنجدها محاطة بنساء عائلتها، يرتدين التكشيطة المغربية بألوانها الزاهية وهن يجلسن معًا ويتناولن الأكلات الشعبية "الرفيسة" بأيديهِن، لتصبح الأغنية واحدة من أشهر هيتاتها وأبرز الأغاني التي شكلت صوت البوب المغاربي الحديث.
ما يجعل من هذه الهوية النسوية الموسيقية لمنال أكثر جاذبية وذكاء هو السيطرة الذكورية على جنرا الهيب هوب. وقد كانت منال من أولى الأصوات النسوية التي دخلت هذه الساحة عام 2014، وإن انتقلت بعدها إلى جنرات أخرى. كانت حاضرة بموسيقاها لتكون جزءً من تطور المشهد المغاربي بألوانه المختلفة على مدار العقد الماضي، وأعلنت أنها ستكون صوتًا جريئًا في الدفاع عن أولوياتها كامرأة في مجال يطغى عليه الحضور الرجالي.
محطة "قلب عربي مجروح"
تتجلى هذه الهوية بوضوح في ألبوم "قلب عربي مجروح" الذي أصدرته منال العام الماضي. كان الألبوم مساحة فتحتها للحديث عن تجارب النساء بكل ما تحمله من صراعات وصمت مفروض، بالإضافة إلى رغبة في كسر الحواجز في عالم صناعة الموسيقى. وقد تحدثت عن هذا الشق منه في المقابلة، واعتبرت أن: "ألبوم قلب عربي مجروح هو الألبوم الذي حاولتُ فيه التحدث عن النساء، ونحكي عن الأشياء التي لا نستطيع الكلام عنها، عن الصراعات التي نعيشها والصعوبات التي نواجهها".
تنقل الألبوم بين فصول حقيقية من عالم النساء، حيث أخذنا في رحلة بين شخصيات تعبر عن تجارب مختلفة: المرأة الغاضبة التي تشعر بالظلم في "موراك"، المرأة المغرومة التي تعيش لحظات الحب في "كباريه"، والمرأة المتحررة بمشاعرها في "مهبولة".
في المقابلة، أكدت على أهمية تناول المواضيع التي تُعتبر تابو في المجتمع بحق النساء، معتبرةً أن هذه الرسائل أهم من الموسيقى نفسها. تقول منال: "مكانة المرأة في مجتمعنا، لديها حدود حمراء لا يجب أن تتعداها، ولا أعتقد أن النساء اللواتي أعرفهم قد يتعدون الخطوط الحمراء، ولكنه دائمًا من الأسهل حصول الفنانين على الدعم، على حساب الفنانات."
مفاجأة "مهبولة"
إلى جانب رسائل الألبوم القوية، خرجت منال عن المألوف من الناحية الموسيقية، حيث دمجت تأثيرات محلية في الإنتاج الموسيقي. استلهمت من الدقة المراكشية في "موراك" وأدخلت تأثيرات الأفروبيت في "بابا" مع غالي. لكن المفاجأة الكبرى كانت أغنيتها "مهبولة"، حيث عادت منال إلى تجديد الراي التسعيناتي باستخدام الأوتوتيون بشكل قوي ومتقن لصوتها مع جمل الكيبورد الأثيرية.
وقد تحدثت في مقابلتها عن رغبتها في تطوير هذا اللون الموسيقي في الفترة القادمة، قائلة: "أريد أن آخذ الراي إلى مستوى آخر، لأنه بالنسبة لي هو لون موسيقي مميز، وأعتقد أنه يمكن أن يكون مثيرًا، وربما من الممكن جعله أكثر عصري."
"فخ" إرضاء الجماهير على حساب الفنان
خلال المقابلة، عرضنا على منال أول فيديو لها ظهرت فيه على راديو هيت المغربي، إلى جانب مجموعة من الأسماء اللامعة والصاعدة في المشهد مثل ديزي دروس وسمول إكس. لم تفاجأ بمرور 10 سنوات على ذلك، وأكدت أن كل تركيزها منصب على الاستعداد للخطوات التالية في مسيرتها الفنية.
يعني هذا أيضًا رفض البقاء في قالب موسيقى واحد لمجرد نجاحه في إرضاء الجماهير على حساب هويتها الفنية. تخبرنا منال خلال اللقاء: "أعلم أن الناس أحبوا تجربتي في الراب. لكن لا يمكنني صناعة الموسيقى لإرضاء الناس فقط".
وتتابع حديثها بالدارجة التي تعود للحديث بها في اللحظات الأصدق والأكثر مكاشفةً: "هذا فخ بالنسبة بالزاف ديال الفنانة. لما يقولوا يلا ندير الموسيقى اللي كتعجب الناس اللي كيبغوها الناس. أنا عمرها ما كنت عندي هذي العقلية. كنت نقول يلا ندير الموسيقى اللي تمثلني كفنانة. كشخص. كإمرأة. ونشوف رد فعل الناس".
الأمومة وتقاطعها مع الفن
مع بداية عام 2025، كانت منال قد حازت على لقبين مهمين في وقت متقارب. الأول كان في 11 ديسمبر 2024، حين فازت بجائزة "أفضل فنانة عن فئة الأغنية المغاربية" من حفل جوائز بيلبورد عربية للموسيقى بنسخته الأولى. منعها اللقب الثاني، وهو الأكثر خصوصية، من الحضور، حيث تزامن الحدث مع الشهور الأخيرة لحملها وولادة ابنتها البكر آية.
دخلت الأمومة عالم منال لتغير الكثير من تفاصيل حياتها الشخصية والفنية. حول ذلك تقول: "أرى الحياة بطريقة مختلفة، وستغير الكثير من القرارات التي سأخذها في حياتي، لكن ستكون ابنتي هي الأولوية في حياتي."
تشغل العائلة الآن حيّز كبير من حياة منال، لكنها كما نرى تتقاطع مع فنها، خاصة وأن زوجها هو أيضًا مدير أعمالها وقد تحدثت عن دوره القوي كأب وزوج ومدير أعمال ساعدها على اتخاذ أصعب القرارات في حياتها المهنية منذ بداياتها. وكانت منال قد أهدته أغنية "أنت" وهي الآن تتمنى تهدي المزيد من الأغاني له ولابنتها.
