ازدادت وتيرة صناعة الأفلام والمسلسلات الوثائقية الموسيقية في الفترة الأخيرة، بفضل مشاركة منصات العرض الرقعممية، مثل نتفليكس وشاهد، بإنتاج وثائقيات عن نجوم العالم العربي. والمسلسل الوثائقي "يا غايب"، الذي يتناول فصولًا من حكاية الفنان فضل شاكر هو أحدث إضافة لهذه التجارب، إذ يبدأ عرضه عبر منصة شاهد غدًا (20 أبريل)، وسط انقسام في الآراء بين الجمهور حول عرضه.
لكن، وبعيدًا عن الأعمال التوثيقية التي تهتم بإرث الفنانين بعد رحيلهم، ما الذي تضيفه الوثائقيات بالنسبة لنجوم الموسيقى المعاصرين الذين يظهرون بشكل دوري في اللقاءات التلفزيونية والإعلامية، والذي يملكون مكتبًا صحفيًا ينشر أخبارهم الفنية والخاصة لحظة بلحظة؟
لكن حتى وإن اتفقنا أن للمشاهير صوت مسموع، ولا يحتاجون لمُخرج لنقل حكايتهم للناس وايصال صوتهم؛ خصوصًا مع وجود منصات وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أن وتيرة إنتاج الوثائقيات حول جوم الموسيقى تزداد بشكل ملحوظ عالميًا وعربيًا. فلماذا نُحب متابعة الأعمال الوثائقية الموسيقية وما الذي يميزها؟ ربما يجب أن نحُدد قبل الإجابة عن هذا السؤال، أنواع الوثائقيات الموسيقية وسماتها.
وثائقيات تُركز على كواليس العمل الفني
أبرز مثال عن ذلك مسلسل "الحلم" الوثائقي، الذي عرض خلال 12 حلقة نبذة عن تاريخ عمرو دياب مع وقفات مطولة عند محطاته الأكثر نجاحًا، للحديث عن كواليس صناعة الأغاني، على لسان عمرو دياب نفسه، وعلى لسان شُركائه من كتاب وملحنين وموزعين.
ما يُقال في هذا النوع من الوثائقيات لا يختلف عمّا يُقال في المقابلات التلفزيونية، فيبدو الوثائقي كريبورتاج طويل، ولكنه أكثر غنى من أي مادة إعلامية، لأنه لا يكتفي بالحكاية التي يرويها النجم عن نفسه، وإنما يتم تدعيمها بشهادات من الحاضرين في كواليس الصناعة الفنية.
وثائقيات قطعة البطل الناقصة
يبدأ هذا النوع من الوثائقيات بتجميع انتقادات تعرض لها النجم في مراحل مختلفة من مسيرته، لتُوثق هذه الانتقادات والصور السلبية وتُمهد لإعادة صياغة الحكاية على لسان النجم نفسه، الذي يُضيف قطع البطل الناقصة ويُعيد تشكيل اللوحة ويضع نفسه بموضع الضحية.
المثال الأبرز والأحدث على هذا النوع هو المسلسل الوثائقي "It’s OK"، الذي تناول حياة إليسا. يكتسب هذا النوع من الوثائقيات تعاطف الجمهور ومُصادقتهم على الحكاية لكونه يعرض الشهادات السلبية قبل الإيجابية. وكلما كان الفنان مُتصالحًا مع الانتقادات والصور السلبية المرسومة عنه، كلما بدت حكاية الوثائقي أكثر إقناعًا وتأثيرًا، وبالتالي ستنجح بمحو بعض الصور السلبية أو ترميمها.
وثائقيات الظرف الاستثنائي
مزج "It’s OK" بين نوعين من الوثائقيات الموسيقية، فيزداد التركيز في نصفه الثاني على معاناة إليسا عندما أصيبت بالسرطان ورحلتها بالتعافي. هذا النصف الثاني ينتمي لنوع من الوثائقيات، تختار مرحلة معينة من مسيرة الفنان، حين كان يمُر فيها بظرف استثنائي، ليروي حكاية مُقتطعة عن مسيرته الفنية.
ومن الأمثلة الأخرى عن هذا النوع من الوثائقيات، فيلم "الرحلة" الذي عرضته نتفليكس في 2021، ونقل رواية ميريام فارس عن معاناتها عندما حملت بطفلها الثاني أثناء فترة الحجر الصحي في ظل انتشار جائحة كورونا. وقد يكون سبب فشل الفيلم أن ما تم وصفه كحدث استثنائي لم يكن استثنائيًا حقًا، فالجميع عاش ظرفًا مُشابهًا في فترة الجائحة، وبالتأكيد لم يكن ظرف الحجر الصحي قاسيًا على ميريام فارس، التي تعيش في قصر تتوافر فيه كل وسائل الرفاهية، بالمقارنة مع معاناة نساء أخريات في هذه الظروف. لذا فإن المُفارقة بين ما نُشاهده من رفاهية كانت حلمًا للجمهور الذي تقاسم مع ميريام فارس الظرف ذاته، وبين ما يُقال في الفيلم، جعلته يسقط.
الوثائقيات المُتشعبة
تحاول بعض الوثائقيات الموسيقية أن تقدم صورة شاملة عن نشأة الفنان، فتتشعب الرواية فيها وتمتد لتصوير المناخ العام للمجتمع الذي احتضن النجم. حدث ثلك في المسلسل الوثائقي، "مسيرتي"، الذي عرضته منصة شاهد وتناول مسيرة جورج وسوف. الحلقات الأولى من المسلسل تناولت حكايات الطفولة القاسية في بيئة اجتماعية مُهمشة، وتم سد الفراغات الكثيرة من خلال اللجوء لتقنية الديكو-دراما (إعادة تمثيل مشاهد من الواقع)، ليتمكن المخرج دافيد أوريان من تصوير واحد من أجمل الوثائقيات الموسيقية العربية، بالاعتماد على مزيج متجانس من السرد على لسان جورج وسوف نفسه، بالإضافة لمشاهد الديكودراما.
وثائقيات الدفاع عن النفس
في بعض الأحيان يقوم الفنانون بتصوير الأفلام الوثائقية ليدافعون عن أنفسهم بعد تعرضهم لأزمة قد تُعرض مسيرتهم الفنية للخطر. كما حدث مع المغنية البلجيكية آنجل، التي اشتهرت بتقديم خطاب نسوي في أغانيها، وتم استخدام أغنيتها "Balance Ton Quoi" في المظاهرات النسوية في فرنسا، قبل أن تتم إدانة أخيها بتهمة التحرش؛ أخوها الذي تعاونت معه بالعديد من أغانيها وقدمت معه أكثر من دويتو. صورت آنجل الفيلم الذي عُرض على نتفليكس لتدافع عن أغانيها ونفسها دون أن تتخلى تمامًا عن أخيها، الذي تُقر بأنه مُذنب.
وفي العالم العربي كان هناك تجربة مُشابهة، بالفيلم الوثائقي "الرواية الكاملة"، الذي ظهرت فيه النجمة نانسي عجرم وزوجها، للدفاع عن النفس، بعد جريمة القتل التي حدثت في بيتها بأشهر.
من المتوقع أن ينتمي وثائقي "يا غايب" المرتقب إلى هذا النوع الأخير، إذ تابعنا في السنوات الماضية محاولات فضل شاكر الحثيثة للعودة للمشهد الفني العربي، رغم تورطه عبر العقد الماضي في أنشطة سياسية جعلته يواجه سلسلة من التهم التي أحالته للقضاء، بعضها تم البت فيه وبعضها مستمر حتى اليوم.
فهل يوظف فضل هذا العمل لتلميع صورته، فيبرر تبرر ويدافع عنه نفسه أمام الجمهور؟ يوم واحد يفصلنا عن الإجابة!