ما الذي يجعل أغنيةً ما تسكن القلب؟ أهو اللحن؟ الكلمات؟ أم الذكرى التي توقظها؟ ربما كل ذلك، وربما أيضًا... سوء الفهم!
كلنا غنّينا يومًا بثقة كلمات لا وجود لها، صدّقنا جُملًا لم تُكتب أصلًا، وتأثرنا بها لدرجة أننا دافعنا عنها وكأنها الحقيقة. وحين تظهر الحقيقة أخيرًا، نضحك، ثم نغنيها مجددًا، بطريقتنا.
مؤخرًا، انتشر عبر السوشال ميديا تصحيح تأخر 40 عامًا لإحدى أغاني جورج وسوف، سبب صدمة صغيرة لأجيال متتابعة تحفظ الأغنية عن ظهر قلب دون أن التفكير مرتين بدقة الكلمات، وأصبح مصدرًا لنكات منتشرة على المنصات حول الموضوع. غنى سلطان الطرب "حلف القمر" في انطلاقة مسيرته، ورددها معه الملايين في العالم العربي، معتبرين أن عنوان الأغنية ومطلعها ينسحب إلى المقطع الثاني فيغني فيه "حلف القمر لون الورود/ لون الزهر فوق الورود". ليتبين مؤخرًا فقط، أن الشاعر قد غيرها في سجع شاعري إلى "حلي في القمر لون الورود".
لكن لا مشكلة فعلًا في هذا اللغط، فأجمل الأغاني، وأبسطها، هي تلك التي سمحت لنا بابتكار نسختنا الخاصة، حتى لو لم تكن تمتّ بصلة للكلمات الأصلية.في هذا المقال، نضحك معًا، ونغوص في تلك الأغنيات التي أحببناها، وفسّرناها على هوانا، قبل أن تفاجئنا الحقيقة... أو تُفشّلنا محركات البحث!
شال نجاة الصغيرة السحري!
أغنية "أما براوة" لنجاة الصغيرة، واحدة من أيقونات الغناء الرومانسي. العبارة الأصلية في الأغنية: "شال طرف شالي/ وسقاني وطرف شاله" تحوّلت في أذهان كثيرين إلى: "شال طار في شالي/ وسقاني وطار في شاله!"التباس سمعي غريب لا يفسره المنطق ولا قواعد اللغة، لكنه بقي جميلًا وساحرًا، ربما لأن المستمع ظنّ أن الحب يعني فعلًا الطيران "لما يمر الحبيب قُبالنا".
لهواة علك الشموع!
تخيّل كثيرون، وربما أنتم أيضًا، أن في أغنية إلهام مدفعي "خطار عدنا الفرح" هناك من "يعلك" صواني الشموع، كمن يُمضغ العلك تمامًا!
وفي حين أن معظمنا سمع كلمات الأغنية الأصلية كما هي، إلا أن بعضنا أخطأ في تفسيرها. "خطار عدنا الفرح/ أعلق صواني شموع"، أي: جاءنا ضيوف وحل الفرح، فأشعلوا صواني من الشموع، وهي عادة عراقية معروفة للترحيب بالزائر، خاصة "الخطار"، أي الضيف غير المتوقع أو المسافر الذي لا يطيل المكوث.
"سعد نبيهة": صديق طفولتنا الوهمي!
لعلّ أشهر إنسان لم يوجد قط هو "سعد نبيهة"! من أغنية صفاء أبو السعود الشهيرة. ذاك الاسم الذي خُيّل إلى جيل الثمانينات أنه بطل أغنية "أهلاً بالعيد".
كنا نرحب بسعد نبيهة كما نرحب بالعيد نفسه، ونتساءل بفضول وخجل: من هو الرجل الغامض الذي نحتفل به كل عام؟ أهو صاحب العيد؟ صديق الأطفال المنتظر؟
مرت السنوات، وتبيّن لنا أن أبو السعود كانت تغني عن فرحتنا بأيام العيد و"سعدنا بيها". لكن سعد نبيهة لم يتلاش، أو ربما كنا قد أحببناه بما يكفي لنتجاهل التصحيح.
لسا بدري!
أغنية "والله لسه بدري يا شهر الصيام" نُحبها ونغنيها في وداع رمضان. لكن الخلاف الكبير يظلّ قائمًا: هل تقول شريفة فاضل: "تمّ البدر بدري"، أم "كمل بدري بدري"؟
كثيرون أقسموا أنهم سمعوها "كمّل"، وآخرون جازفوا بأن "تمّ" هي الأدق. اختلفت الآراء، لكن الشعور واحد: لا نريدك أن ترحل، يا رمضان.
فوائد آلة الهراية في الزراعة!
في أغنية "بستان الاشتراكية"، يغني العندليب: "وبيزرع في الهراية". كلمة أربكت مستمعي الأغنية، الذين أعتقد بعضهم أن "الهراية" هي أداة زراعية حديثة لم تصل إليهم بعد!
لكن الحقيقة كانت أكثر بساطة وجمالًا: "وبيزرع فيها الراية". أي أن الشعب العربي يزرع علمه على القمة. أما الهراية، فما زالت بانتظار أن يخترعها أحد!
يا.. بو علي!
لعلّ واحدة من أشهر الأغاني التي تعرّضت لتحريف جماهيري طريف، هي أغنية الشاب خالد الشهيرة "عبد القادر يا بو علم"، حيث غناها كثيرون بثقة: "عبد القادر يا بو علي!".
الكلمة الأصلية جزائرية بامتياز: "يا بوعلم"، وهي لقب تكريمي متداول في الجزائر، يعني "أبو علم" أو "صاحب العلم"، وتُقال احترامًا أو تحبّبًا.
لكن الأذن العربية خارج الجزائر كان لها رأي آخر، حتى صار "بو علي" جزءًا لا يتجزأ من كل الحفلات والأعراس والمناسبات.
"الدارجيت"... يا رمضان!
في أغنية "وحوي يا وحوي"، تلك الأنشودة الرمضانية الخالدة، وقف الكثيرون حائرين أمام جملة: "وحوينا الدارجيت يا رمضان"، وراحوا يبحثون عن معنى كلمة "الدارجيت" في كل القواميس والكتب.
ظن البعض أنها آلة من نوع عجيب، وآخرون اعتبروها لعبة رمضانية منقرضة، وراح البعض إلى اعتبارها كلمة مخترعة بعدما فشلوا في تفسيرها. حتى ظهرت الحقيقة التي جمعتنا، تمامًا يفعل رمضان: "وحاوينا الدار… جيت يا رمضان"، أي أن رمضان يجمعنا كلنا في البيت.
لمن يوجه راغب علامة سؤاله؟
حيرت أغنية "قلبي عشقها" لراغب علامة كثر. البعض يجزمون أن النجم يسأل عينيها عليها، وآخرون يرون أنه يسألها عليها.
وما بين هذا وذاك، يبدو أن راغب علامة انحاز لصالح الفريق الثاني، وذلك يظهر عبر منشورات يشارك فيها كلمات الأغنية كما قصدها.
ماذا لنا فوق النخل؟
يؤسفنا أن نؤكد لكم أنه لا شيء فوق النخل. أما "فوق" فـ "لنا خل"، وهذا ما خطر على بال الشاعر العاشق لمّا لمح حبيبته على الشرفة. لم ينته الغموض هنا، فالقصة وراء هذه الأغنية، أكثر تعقيدًا وغموضًا من اسمها.
شجر المسطرح ونعناع الحيطان ونباتات أخرى غريبة!
هل ينبت النعناع في الحيطان؟ وهل "المسطرح" هو نوع من الأشجار؟ أغنية محمد منير "نعناع الجنينة" جعلتنا نسأل أنفسنا أسئلة غريبة بعض الشيء! لكن الحقيقة تقول أن النعناع يُسقى في "حيضانه"، ويظلل عليه "شجر الموز"، لا "المسطرح" الخيالي.
ضحكنا على أنفسنا، ثم غنّيناها من جديد، كما ينبغي، أو ربما تمسك بعضنا بنسخته الخاصة.
في النهاية، لا بأس إن كنّا قد غنّينا "غلط" أحيانًا، فربما كانت الأغنية التي سمعناها خطأ، أصدق تعبير عن مشاعرنا في تلك اللحظة.
ملاحظة:
الفكرة مستوحاة من تجارب سمعية منتشرة، حيث أعيدت صياغة الأمثلة بروح جديدة، بناءً على الحكايات التي شاركها الجمهور لسنوات.