يعتبر القالب الغنائي في شبه الجزيرة العربية تجربة فريدة من نوعها تفحصها الباحثون لمحاولة تشريح الظواهر الموسيقية التي جعلت الغناء في المنطقة مزيجًا نوعيًا من حضارات وأصوات نابعة من أقصى الشرق إلى الغرب، فأصبحت محطًا للأنظار والدراسة. في عشرينات القرن الماضي، ظهر في منطقة شبه الجزيرة العربية قالب موسيقي استطاع أن يدمج الآلات الوترية والإيقاعية بأبيات الشعر الفصيح التي أصبحت نغمًا وونيسًا للمستمعين في السهرات الطربية.
أُطلق على هذا القالب الموسيقي اسم "فن الصوت" وهو حجرة بناء أساسية للتراث الموسيقي في منطقة الخليج العربي، تحديدًا في البحرين والكويت. يُقدم فن الصوت عادة في المجالس، لذا فهو غناء رجالي بحسب ما يصفه الكاتب يوسف الدوخي، ويعتمد على العود والكمنجة كأصوات وترية أساسية، إلى جانب المرواس وهو طبل صغير يمتاز بإيقاع رنان يتجانس مع تصفيق الايادي. لا يعتبر فن الصوت عرضًا موسيقيًا، بل تجربة تفاعلية بين الموسيقين والحضور، لأنه يتجانس مع تصفيق الحاضرين الذي يشكل ايقاعًا بحد ذاته، وكذلك بالرقصة المصاحبة له والتي تدعى بالزفان. تتنوع مصادر فن الصوت بين مقطوعات من الهن، وأشعار من اليمن، وعزف وألحان في كلٍ من الكويت والبحرين، لذا يصعب تحديد منشأ واحد لهذا الفن، مما يجعله تجربة متكاملة ومتنوعة ثقافيًا. لعل أهم وأبرز الأغاني التي نسبت لفن الصوت وأصبحت كذلك موضوع للدراسة والفحص هي أغنية دمعي جرى بالخدود من كلمات مبارك بن حمد العقيلي والحان محمد بن فارس، أحد رواد هذا التوجه. تعتبر دمعي جرى بالخدود أغنية خالدة طبق فيها مختلف الفنانون قالب الصوت مع إتاحة المساحةل ارتجالاتهم الغنائية الخاصة، ومن ضمن الفنانين الذين قدموا هذه المقطوعة: الفنان عوض الدوخي والفنان أحمد الجميري والفنان سعود العروج. على الرغم من مرور عقود طويلة بلا تنوين على ظهور هذه الأغنية إلا أنها خالدة في ذاكرة الموسيقى الخليجية، وعادت للأضواء في عام ٢٠١٨ عندما صعد الفنان فيصل الأنصاري على خشبة مسرح ذَ فويس وحصل على التفافة رباعية من أعضاء لجنة التحكيم نتيجة لأدائه المتألق للأغنية.