عشية الذكرى الثالثة لانفجار مرفأ بيروت، أطلقت ماجدة الرومي أحدث أغنياتها عندما ترجع بيروت، المقتبسة بتصرف عن قصيدة نزار قباني "محاولة تشكيلية لرسم بيروت" والصادرة ضمن ديوان تزوجتك أيتها الحرّية عام ١٩٨٨. لحّن الأغنية يحيى الحسن، ووزعها كل من ميشال فاضل وحسن يحيى المعوش.
تبدأ الأغنية بزخم أوركسترالي تبرز فيه الوتريات والنفخيات، يذكّر بالقصائد التي لحنها الراحل جمال سلامة لماجدة الرومي في التسعينيات. ينساب بعدها صوت ماجدة لترافقه الكمنجات الممدودة والتشيلو، وينضم إليها صوت الأوبوا عند استعادة ماجدة للجملة الافتتاحية. ترسم هذه التوزيعات مناخ الأغنية الذي يجمع بين الجنائزية والحنين من جانب، وبين الحزن والغضب من جانب آخر، والذي برز مثلًا في لفظ ماجدة لكلمة "إلينا". نصل إلى لازمة "آه يا بيروت" لتخرج الأغنية مؤقتًا من إطارها الكلاسيكي، وينساب جو شرقي تسيطر عليه آلة القانون يرافقها البيانو والإيقاع، والذي يعكس بطؤه الثقل والاستنزاف الذي يوقعه الحِداد في النفوس. جسدت ماجدة هذه الحالة بهمسها لكلمة "السَفر"، والسفر في سياق الأغنية ليس بُعد نزار الشاعر عن بيروت في ثمانينيات القرن الماضي، بل هو الموت الذي حال بين بيروت وأهلها بعيد الانفجار.
يمثل المقطع الثاني جوهر الأغنية، ويُبرز لمسة ماجدة في التصرف الشعري. يتساءل نزار في قصيدته: "هل من الممكن أن تطلع بيروت الجميلة مرة أخرى من الأرض الخراب؟ هل من الممكن أن ينبت قمح في مياه البحر أو أن يأتي مع الموج كتاب؟". أما ماجدة فتخلت عن "الأرض" و"كتاب"، لينتهي الشطر الأول بـ"الأيدي الخراب" والثاني بـ"مع الموج الحساب". خراب بيروت حسب ماجدة ليس بأرضها بل بالأيدي التي عاثت بها دمارًا، وهي لا تنتظر كتابًا يحمله الموج، بل عدالةً لبيروت. موسيقيًا، تسارعَ إيقاع الأغنية في هذا المقطع ورافق الكورال غناء ماجدة، وإن كان صوتها وأداؤها المشحون عاطفة لا يحتاج إلى أصوات مرافقة. يبرز أثر آخر لماجدة في المقطع الثاني، إذ تخلت عن "السفر" وأنهت الأغنية قائلة "كم أتعبنا هذا القدر"، القدر الذي حل ببيروت ولا زال أليمًا بعد ثلاث سنوات.
حتى مع هذه التعديلات الصغيرة على صعيد المفردات، أحسنت ماجدة اختيار القصيدة التي تحاكي صورها واقع بيروت على الرغم من أنها نُظمت قبل أكثر من ثلاثين عامًا، وإن قدّم اللحن من جهة أخرى بعض الجمل بفتور، ولم يحمل ذات الغزارة في التفاصيل الموسيقية التي اعتدنا عليها في الألحان التي غنتها ماجدة لقصائد نزار على امتداد السنوات.