ضمن جولتها العالمية، قدّمت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي عرض روائع الأوركسترا السعودية في طوكيو يوم 22 نوفمبر/ تشرين الثاني في قاعة الحفلات الموسيقية بمدينة أوبرا طوكيو: نصب تاكيميتسو التذكاري.
منذ تأسيسها عام 2019، حرصت الأوركسترا والكورال الوطني السعودي على تعزيز المشهد الثقافي السعودي ومشاركة الموسيقى السعودية مع العالم، ومن هنا جاءت فكرة مبادرة روائع الأوركسترا السعودية. وبعد عروض رائعة قدّمتها الأوركسترا في باريس ومكسيكو سيتي ونيويورك ولندن، فكانت المحطة التالية في طوكيو حيث قدمت حفلًا جماهيريًا جمع بين الموسيقى السعودية واليابانية التقليدية بمشاركة أكاديمية الأوركسترا بكلية طوكيو للموسيقى، والضيف الخاص، عازف الجيتار توموياسو هوتي. وإلى جانب الأداء الرائع الذي قدمته الأوركسترا، فقد انبهر الجمهور بأصوات الآلات الموسيقية العربية التقليدية التي قلّما تُتاح الفرصة لسماعها في اليابان.
استُهل الحفل بكلمة موجزة ألقاها الرئيس التنفيذي لهيئة الموسيقى السعودية السيد باول باسيفيكو، والتي أعرب فيها عن امتنانه لهذه الفرصة لحضوره في طوكيو خصوصًا أن عام 2025 يصادف الذكرى السبعين لبدء العلاقات الدبلوماسية بين اليابان والمملكة العربية السعودية. كما تحدّث السيد باسيفيكو عن دور الموسيقى بوصفها لغة مشتركة تجمع شعوب العالم وتكسر الحواجز بينها.
في الجزء الأول من العرض، قدّمت فرقة جاجاكو الموسيقية اليابانية Ryo-o وهي مقطوعة موسيقية وعرض كلاسيكي راقص. وبدأ عازف فلوت الريوتيكي أو ما يُعرف بفلوت التنين بالعزف وانضمت إليه الطبول والصنج المعدني الصغير. ثم اعتلت المسرح راقصة متزينة برداء أحمر وقناع وبدأت بالرقص على الألحان الكلاسيكية. انتقل العرض إلى مستويات أخرى مع انضمام آلات موسيقية أخرى مثل شو المصنوع من القصب الحر وفلوت هيتشريكي، ليمتلئ المسرح بأجواء مفعمة بالطاقة والحيوية. وبدت علامات الإنبهار والإعجاب على الجمهور الذي استمتع بالأداء الراقص الذي يرمز إلى تقليد قديم استمر لأكثر من ألف عام.
وبعد انتهاء الجزء الأول من العرض، حان دور الأوركسترا والكورال الوطني السعودي التي اعتلت المسرح لتقديم عرضها المميز. إلى جانب الآلات الأوركسترالية المتعارف عليها مثل الكمان والتشيلو، تضمن العرض آلات عربية تقليدية مثل العود والسنطير وهو آلة وترية تشبه القانون، والدف، وهي آلة إيقاعية مصنوعة من الجلد الممدود على إطار دائري.
بدأت المقطوعة الأولى بعنوان "الهوى الغايب" بمقدمة قصيرة على الأوتار، ثم انضمت إليها آلات الأوركسترا الأخرى. ومع تهدج النغمات الموسيقية وتقنيات الأداء المعقدة في آلة العود والعزف المنفرد على القانون، نجحت الأوركسترا بتقديم أغنية مُتقنة تثير مشاعر البهجة والسكينة.
بعد ذلك، قدّمت الأوركسترا مقطوعة "وردك يا زارع الورد" والتي بدأت بعزف منفرد على الكمان تميز بالانتقال السلس بين النغمات المنخفضة والعالية. وكان هذا خير مثال على قدرات العزف المذهلة والتي تضمنت إتقان الإيقاعات المعقدة عبر فترات نغمية ضيقة. وهنا جاء موعد دخول الأوركسترا والكورال التي قدمت عرضًا موسيقيًا مفعمًا بالدفء تارة والصخب تارة أخرى.
المقطوعة التالية تميزت بالإيقاع السريع وكانت بعنوان "شاقني جو الجنوب"، تلاها مقطوعة "ترحب بغيري" ذات الطابع الهادئ والرقيق مع عزف منفرد على القانون بدعم وانسجام تام مع الآلات الوترية. بعد ذلك قدّمت الأوركسترا مقطوعة "احرقني القيد" التي تميزت بتفاعل ممتع بين أصوات الفلوت وكورال الرجال والنساء.
واختتمت الأوركسترا الجزء الثاني بفقرة منوعة من موسيقى الأنمي أو الرسوم المتحركة اليابانية، حيث قدّمت الأوركسترا والكورال إلى جانب مغنية منفردة نسخًا عربية من أغاني الأنمي اليابانية مثل "UFO Robot Grendizer" وCaptain" "Tsubasa و"Case Closed" و "Pokemon". بعد انتهاء هذه الفقرة، تعالت أصوات الهتاف والتصفيق الحار من الجمهور الذي عبّر عن إعجابه الشديد ليؤكد على شعبية الرسوم المتحركة اليابانية.
من المعروف أن اللغة الموسيقية لأنواع الموسيقى الكلاسيكية التي تُستخدم الآن في مختلف أنحاء العالم لا يمكن تطبيقها على الموسيقى العربية. فهناك فواصل أصغر من نصف النغمات، مما يجعلها غير قابلة للعزف على البيانو. وهذا ما يميز الموسيقى العربية ويجعلها ذات مقاييس فريدة من نوعها. وبالرغم من أن الأوركسترا الوطنية السعودية تعتبر جديدة نوعًا ما، إلا أنها أثبتت قدرات فريدة من نوعها في الجمع بين الموسيقى العربية التقليدية وموسيقى الأوركسترا الكلاسيكية لتشاركها مع العالم. من جهة أخرى، فقد تميز هذا العرض بالطريقة التي جمع بها بين الموسيقى الكلاسيكية والموسيقى الشعبية والموسيقى العربية التقليدية لمنح الجمهور تجربة لا تُنسى.
في الجزء الثالث والأخير من العرض تعاونت الأوركسترا مع موسيقيين يابانيين. واكتظ المسرح بأعضاء الأوركسترا والكورال الوطني السعودي وأكاديمية الأوركسترا بكلية طوكيو للموسيقى. كانت هذه المرة الأولى التي تعزف فيها الأوركسترا الوطنية السعودية مع أوركسترا يابانية، وبدأت الفقرة بأصوات صاخبة من الآلات الموسيقية النحاسية التي عزفت افتتاحية العُلا. بعد ذلك، استمتع الجمهور بمزيج مثير من الأغاني السعودية الشهيرة لحنًا تلو الآخر
تجربة غامرة مثيرة للمشاعر عاشها الجمهور مع صعود الضيف الخاص توموياسو هوتي إلى المسرح، حيث رحب بأوركسترا البلدين وصفق لهما ثم قدموا معًا أغنية "معركة بلا شرف أو إنسانية" من فيلم "Kill Bill". تناغم صوت جيتار هوتي بسلاسة كاملة مع عزف الأوركسترا. وعندما بدأ بإظهار موهبته الفذة بالعزف منفردًا على الجيتار، أخذ الجمهور إلى عالم آخر من الانسجام والسلطنة.
وكان ختامها مسك مع الأغنية الوطنية السعودية عمار يا دارنا. ورفرف العلم السعودي على الشاشات ورفع العديد من الجمهور مصابيح هواتفهم ملوحين بها في حركات متناغمة مع الموسيقى.
لقد برهن عرض روائع الأوركسترا السعودية على أن الموسيقى قادرة على تجاوز حواجز اللغة والثقافة لتقديم تجربة مفهومة تلمس مشاعر الجمهور بغض النظر عن اللغة أو الثقافة. ومن خلال الموسيقى أيضًا، دشنت روائع الأوركسترا السعودية بداية جديدة لعلاقات أعمق بين شعبي المملكة العربية السعودية ودولة اليابان.
ظهرت هذه المقالة التي كتبها ميسوزو ياماشيتا لأول مرة على Billboard Japan.