نشر مهاب قبل أسبوع على انستجرام صورة لغرفة عادية وعنونها: "هنا سجلت آخر ألبومين لي". إذا نظرنا إلى الغرفة التي تحتوي جهاز واحد هو جهاز التكييف قد ينخفض سقف توقعاتنا، لكن أي تراك من الألبومين كفيل بأن نرمي كل هذه التوقعات وراء ظهرنا، وأن نستمع لشاب بدأ مسيرته على عتبة العشرين بمقومات صوتية مهولة وتدفق ناري وكلمات هادئة وواقعية.
يبدو على مهاب أنه خرج من حقبة المراهقة ملمًا بقواعد الراب، من التدفق إلى البيت بوكس واللعب بالقوافي والكلمات. تعرف عليه الجمهور واشتهر بعد تراك خطة ربنا، وعدد من الأغاني المنفردة. كما كشف العام الماضي عن أدائه القوي في راب شارع، وكجولوه مع فريدوم ميوزك والتي استلهم عنوانها من محمد هنيدي.
يمثل مهاب بمكانته العمرية الجيل زِد، الجيل الذي يبحث دائمًا عن أصوات تشبهه بعيدًا عن الماينسريتم، لذا دائمًا ما يكون الإنترنت هو مصدر الموسيقى الأساسي لهم. قدم مهاب هذه التجربة الحقيقية التي تمثل أبناء جيله من تطوراتهم الشخصية إلى تقلباتهم المزاجية، وظهرت مهاراته في الكتابة عبر بارات غنية بالقوافي غير المتوقعة. تعامل في تراك السر مع المنتج والرابر سيف الذي رافقه دائمًا في إنتاج تراكاته، فأعطاه بيت ثقيل درامي، مناسب لكلماته الغارقة بالثيمة السوداوية التي رافقته في البداية.
يقف مهاب موسيقيًا على تقاطع الطرق بين الهيب هوب والبوب والمهرجانات، وهو موقع صعب لكنه ساعده على الوصول إلى قاعدة كبيرة من المستمعين، فأثبت في ألبومه الأول باي أنه يستطيع تطويع كلماته وأسلوبه في أكثر من نوع. يظهر تراك يا قاهرة كخير مثال على ذلك، إذ منحه سيف خط درامز وعينة من كيبورد شعبي، بينما أداه مهاب في بدايته كمغني مهرجانات قبل الانتقال إلى تدفق الراب: "أجمد واحد في أفريقيا يا قاهرة". أما تراك الرحلة فجاء بصوته المشبع بالعرب الطبيعية وبطبقة أوتوتيون خفيفة. أنتج البيت طياب وأعطاه ضربات بيانو مشوّهة لتقترب من أسلوب البوب.
تحمل خامة صوت مهاب تدرجات غنيّة، يتباهى فيها في كيت كات، التي يقدم في نهايتها ضربات بيتبوكس على الإيقاع. تابع في هذا الألبوم استعراض مشاعره في إصدارات مثل قمر، وتراك ديدي الذي صرح سابقًا في واحدة من مقابلاته أنه خرج بباراته كفريستايل، وأعطاه سيف إيقاعًا شرقيًا مدعمًا بعينات الديلاي والريفيرب.
أرفق ألبومه الثاني قاهرة بخريطة تشرح وقت إصدار كل تراك حسب الساعة. بدأ بتراك مصر الساعة السادسة، والذي اقترب من أسلوب الكلوب راب، من إنتاج كلاش و٣٣٣ وسيف وإيفو. لا يخجل مهاب من طلب المساعدة والبوح بحزنه وشعوره بأنه محبوس في أماكن مظلمة، كما في تراك يا زميلي الذي حمل طبقات متلاصقة من المشاعر، تبدأ من البيت الهادئ وتنتقل إلى صوت مهاب الغارق بالميلانكوليا الذي أعطاها نبرة البوح والاستغاثة. أما سواح فحملت عينة صوتية من الإذاعة المصرية في الخمسينيات: "هنا القاهرة"، ليدخل مهاب ببار قوي: "أنا مش فاتحها سداح مداح" وكأنها النسخة الحديثة من سواح عبد الحليم حافظ على بيت من إنتاج إيفو.
لم يخرج مهاب بفيديو كليب رسمي من الألبومين، لكنه ظهر هذا العام في كليب إم في بي، والتي أظهرت ارتياحه أمام الكاميرا. كما تعاون مع ليجاسي العام الماضي في نو بروبليما من إنتاج هادي معمر وإخراج شادي وصفي الذي استوحى مشاهدها من فيلم ثقافي.
امتلك مهاب مقومات المغني والرابر وكاتب الأغاني رغم صغر سنّه ومسيرته القصيرة، ومازال يعدنا بالكثير من المفاجآت التي قد تبدو قريبة، خاصة وأنه كسر الصورة النمطية للرابر القاسي بصوته الجاف وباراته المتباهية، وأعطانا أسلوبًا جديد يزخر بالبوح والحزن والمشاعر. امتلك في صوته عرب مذهلة ساعدته على الاقتراب من الغناء بطريقة البوب، كما استلهم من أسلوب المهرجانات ليجمع التطور الموسيقي للمشهد المصري من كافة جوانبه.