محمد منير: كينج اختيار الكلمات ذات المقاسات المرنة

نجحت اختيارات منير للكلمات التي يغنيها في رسم ملامح مرحلة فنية جديدة في مصر مع الوصول إلى الثمانينات
محمد منير
محمد منير
Change Font Size 20

تفتح الفيديو لجلسة موسيقية لتجد فنان النوبة الأول أحمد منيب يجلس بعوده إلى جانب عازف العود الألماني وتلميذ بليغ حمدي، رومان بونكا. يتفرّد الاثنان بالتركيز على الشاب الصغير الذي يغني، حيث تعكس عيناه حبّه العميق للغناء، وفهمه الشديد للمعاني وتأثره بما يغني. وعندما نتأمل مجددًا، نجد أن موضع تأثره ولمساته الغنائية الحسّاسة تتمركز حول الكلمات: "من السويس قلت يا يا لالي/ دي القنطرة فجر تملي/ والوز الأخضر بيصلي/ على القنايا من سينا/ عصرت قلبي الجواني/ على التراب الأسواني/ رجع يانوبة عنواني/ كوم أمبو رايقة وأمينة."

منذ بداياته، كان الفنان محمد منير يهتم بعناية بالغة باختيار كلمات الغزل الغير صريحة، خارجًا عن المألوف، مؤكدًا في لقاءاته أن بعض أغانيه كُتبت تعبيرا لحبه لمصر وليس لمحبوبته. كان منير، ملك اختيار الكلمات ذات المقاسات المرنة، قد بدأ مشواره الفني في السبعينيات بإطلاقه لألبوم "علموني عينيكي"، ولكن كان الطريق إلى النجاح ليس سهلًا، وقد أصدر ألبومه الأول "علموني عينيكي" في حين كانت الصحف ووسائل الإعلام المصرية تتوقع تتويج نجم الشباب حينها، هاني شاكر، ليكون خليفة عبد الحليم حافظ بعد وفاته ببضع سنوات. بينما كانت موجة كلمات تلك الفترة مليئة بالكلمات الرقيقة الرومانسية، ظهر منير يتحدث لأخواته المصريين المغتربين ملامسًا واقعًا مصريًا جديدًا من غربة الشباب لدول الخليج للبحث عن مصدر رزق أفضل فغنى: "ايه يا بلاد يا غريبه/ عدوة ولا حبيبه/ فى الليل تصحى عيونك/ ونجومك مش قريبه/ دنيا ولا متاهة/ فى صبحها ومساها/ اهه و وراها آهاه" من كلمات شاعر العامية القدير سيد حجاب. تغنى منير بالكلمات وكأنه يوجه العتب لبلده لا لوجهة الاغتراب، متعجبًا من دعوات مصر في ذلك الوقت للمصريين للسفر والعمل في دول الخليج. كما غنى "وأمانة يا بحر" لما كانت وسيلة السفر من مصر لدول الخليج حينها عبر مواني البحر الأحمر فقال: "أمانة ياطير وصلهم بالسلامة أمانة يابحر رجعهم بالسلامة"، إلى جانب العديد من الأغاني المشابهة مثل "قول للغريب" و"الرزق على الله" وغيرها الكثير. وازن الكينغ الكلمات التي اختارها لمواضيع مختلفة وجديدة وعميقة، مع توجه موسيقي يعكس تنوعًا فنيًا فريدًا، حيث دمج بين الموسيقى العربية التقليدية بعناصر من البوب والروك والجاز. ومن خلال هذا التوازن، نجح في جذب شرائح جديدة من الجمهور التي وجدته مختلفًا عن التيار السائد، يقدّم لهم ما يشبههم ويعبّر عن أزمات هويتهم بحساسية.

مع مرور السنوات، أصبح لأغاني محمد منير هوية صوتية فريدة، تنقل قصصًا عميقة ومشاعر متنوعة. وكانت كلماته تعبّر عن التحديات الحياتية والحب، وكان أداؤه القوي يجذب الاهتمام ويمسك قلوب الجماهير. وعلى الرغم من أن محمد منير ينحدر من الجنوب، فقد نجح ببراعة في أن يكون جسرًا يربط بين مختلف الثقافات والأذواق الموسيقية في مصر، وتمكن من ترك بصمته بين المجدّدين في المشهد الفني المصري خلال حقبة الثمانينيات.

+ اقرأ المزيد عن
أحدث المواضيع