أصدرت فرقة مشروع ليلى ألبوم "رقصوك" في أغسطس/ آب 2013، بعد ألبوم "الحل رومانسي" الصادر في العام 2011. كان الفارق بين الألبومين بالوقت هو فقط سنتين لكن ما حصل في المنطقة من تغييرات سياسية غيّر فلسفة الفرقة، التي طالما اتبعت نمطًا كتابيًا مختلفًا عمّا هو سائد وكاسر للنمطية. وإن كان ألبوم "الحل رومانسي" قد حمل حلولًا وآمالًا وتطلُّعات نحو مستقبل مشرق ومتحرر، جاء ألبوم "رقصوك" محملًا بانكسارات ما بعد الثورة وخيبة جيل الألفية بالتغيير.
قبل إطلاق الألبوم، دعت الفرقة عبر موقعها الرسمي على فيسبوك في بيان إلى المشاركة الجماعية في تمويل ألبومها التي رغبت بأن يبقى مستقلًا عن شركات الإنتاج، وناشدت الجمهور "ساعدونا على استرجاع البوب العربي". كان هذا الألبوم الأخير مع الأعضاء الكاملين قبل أن تطفو شروخ الفرقة الداخلية على الواجهة، ويخرج اثنان من الأعضاء المؤسسين: لاعبة الكيبورد أمية ملاعب وعازف الجيتار أندريه شديد.
سيطرت سردية الغرق والهروب على ثيمات الألبوم، وظهر أعضاء الفرقة بتصميم كارتوني على الغلاف وهم يرتدون سترة النجاة. ارتبطت هذه السردية بأحداث المنطقة، حيث شهدت هذه الفترة مآسي المراكب غير النظامية التي حملت المهاجرين من وطأة الحرب في سوريا. افتتح الألبوم بتراك "أحيانًا لا أطوف" مع صوت ترومبيت العازف والموسيقي إريك تروفاز، وأدخلنا بجوّ ملحمي يتبلور أكثر مع أغاني الألبوم.
تفتتح ترومبيت إريك أغنية "يا بحر" قبل أن يباغتنا صوت حامد سنو، المغني الرئيسي، وهو يغني: "يا ليل إحجبني حجبني بعتمتك" في افتتاحية سوداوية يخيّم عليها الليل والعتمة، قبل أن تحمل الأبيات القادمة المزيد من الصور الشعرية والتشبيهات الثقيلة: "اخذته حد البحر خلي الموج يطهره" وكأن البحر هو مكان التخلص من الحمولة والتطهر. المفارقة أن فيديو كليب هذه الأغنية تم تصويره على الرمال أو في الصحراء دون أن يظهر للبحر طرف أو حتى للفرقة، فيديو كليب بالأبيض والأسود لا حياة ولا ألوان فيه، عكس فيديو كليبات الفرقة السابقة مثل "رقصة ليلى".
لطالما كان الجانب التجريبي حاضرًا في أغلب أعمال الفرقة، بإمكاننا أن نجد أكثر من نسخة مختلفة لعدد من أغانيها. قدمت الفرقة أغنية "للوطن" في حفلها بمهرجانات بعلبك 2012 قبل سنة من طرح الألبوم وبكلمات مختلفة تمامًا، وحملت دعوة واضحة تهكمية إلى التمرد: "روح تشكى للبوليس عن الذل عن التهميش". أما نسخة الألبوم تحدثت عن التخوين وغياب بوادر التغيير: "خونوك القطيع كل ما طالبت بتغيير الوطن"، وغلب عليها طابع اليأس بصور حقيقية وواقعية.
يشغل الرقص حيزًا كبيرًا من كلمات الألبوم، وقد تحولت جملة من أغنية "للوطن" والثابتة في النسختين: "ليش مكشر تعا رقصني شوي" إلى غرافيتي في شوارع بيروت والقاهرة. أما الأغنية الرئيسية "رقصوك" فحولت فكرة الرقص إلى انصياع وليس تحررًا: "بالإيقاع استعبدوك برمجوك وعلموك كيف ترقص زيهم"، ما يعيدنا إلى فكرة التعب والخذلان اللذين أصابا جيلًا كاملًا بعد الثورات في المنطقة. المفارقة أن الفرقة كانت قد وثقت فرحة الثورة والتغيير في أغنية "غدًا يوم أفضل" وأهدتها إلى جيل الثورة في العام 2011.
اختار حامد طبقة مختلفة من صوته في أداء أغنية "اسكندر معلوف"، طبقة تخرج من أعماقه للحديث عن شخصية خيالية يدعوها إلى اللعب ورفض التوقعات الاجتماعية: "بعتذر من الألعاب الي منعوها عنك"، بينما تركز الأغنية بعد المقطع الأول على كمان هايغ بابازيان وكيبورد أمية ملاعب. تعود الفرقة في "عبدو" إلى أسلوبها في رواية القصص عن شخصيات من الأحياء اللبنانية، وتقترب من أسلوب أغنية "إم الجاكيت" من ألبوم "الحلّ رومانسي"، والتي يقال إنها استعادة لكلمات المونولوجيست والشاعر عمر الزعني.
يمكن القول إن النقطة الأقوى في مسيرة مشروع ليلى من ناحية الكتابة هي تقديم أغاني سياسية غير مباشرة. تحمل أغنية "على بابه" الكثير من التأويلات، حيث يمكن سماعها كأغنية رومنسية عن عذاب الحبيب، لكنها قد تحمل الكثير من الإسقاطات عن حب الوطن والحديث عنه بطريقة غير تقليدية: "ليش بشفعلك ليش بخضعلك بس تحرقني"، ما يكشف عن علاقة سامّة وخلل في الانتماء. تتحدث أغنية "تاكسي" بلسان سائق تاكسي يدعونا إلى الاختيار، وهي فلسفة حاضرة بأغلب أغاني الفرقة: "فيك تسوق يا ما تنساق بيرجعلك الخيار".
يستمر الحديث بصيغة الجمع في "ونعيد" عن الخلاص والتمرد مهما قست الظروف، استلهمت الكلمات من أسطورة سيزيف من الميثولوجيا الإغريقية، الذي عاقبه الإله زيوس بالعذاب الأبدي عبر دفع صخرة إلى قمة الجبل بعد تدحرجها كل مرّة. تحمل هذه الأغنية نغمة حزينة ومؤرقة في محاولة لاستعادة الأمل رغم الظروف: "فينا نفتح عينينا لما يرموا فيها تراب". صدرت هذه الأغنية قبل الألبوم بحوالي أسبوع، وتحديدًا بعد تعرض ضاحية بيروت إلى تفجير إرهابي أودى بحياة العشرات في 18 أغسطس/ آب 2013. عكسَ التكرار في الكلمات فكرة الوقوع في فخ الدائرة، وجسّد مشاعر العودة إلى نفس الحالات رغم محاولات المضي قدمًا، وكأنها كانت الساوند تراك لكل العبث الذي حصل في المنطقة ذاك العام.
جاء ألبوم "رقصوك" كنقطة تحول مهمة في مسيرة مشروع ليلى، عكست أغانيه تعقيدات وتحديات الواقع السياسي والاجتماعي في المنطقة. قدّم سردية مختلفة عن الألم والانكسار وغرق بالرمزيات والإسقاطات التي جسدت مشاعر جيل بأكمله. هذه التجربة الشعرية والموسيقية طبطبت على رؤوس المستمعين المتعبين من الأحداث الثقيلة عام 2013، ووثقت حكايا واقعية عن خيبات الأمل وانكسارات ما بعد الثورة.