المقام العراقي هو نوع غنائي موسيقي تراثي، أي هو تسمية قالب غنائي وليس سلم موسيقي كما هو معتقد، يناظر الميجانا اللبنانية أو القدود الحلبية وليس المقامات المستخدمة في الموسيقى مثل النهاوند والصبا. تعود تسمية المقام العراقي نسبةً إلى جذور نشأته في المدن العراقية، لكن ما هو محط جدل بين الباحثين في مجال الموسيقى فهو تاريخ نشأة هذا النوع، وقد يتفق البعض إلى أن جذوره تمتد من وقت الخلافة العباسية، ويمكن القول أن تاريخ هذا النوع يمتد إلى أربع قرون سبقت وربما أكثر.
يرتبط هذا النوع بالموقع الجغرافي للعراق كونه في غرب آسيا على الحدود بين تركيا وإيران وبلاد الشام، بالإضافة إلى تأثره بتوالي الدول التي مرّت على بغداد مثل الدولة العباسية والفرس والعثمانيين. كما أن هناك أنواع غنائية متجذرة من المقام العراقي تصل إلى 56 مقامًا، مثل مقام البهيرزاوي تيمنًا بمدينة بهرز على الحدود العراقية الإيرانية، أو مقام المنصوري نسبةً إلى اسم آلة الناي في العراق. عادةً ما يتكون المقام من خمس عناصر أساسية: التحرير وهي البداية، القِطَع والأوصال وهي السلّم النغمي، يأتي بعدها الجلسة وهي النزول إلى درجة منخفضة يصاحبها الميانة أي العودة إلى درجة عالية، وآخر مرحلة هي التسليم التي ينتهي بها المقام.
سُمىَّ مؤدي المقام العراقي بالقارئ وليس بالمغني، لأن أغلبهم كانوا قراء في الموالد النبوية وارتبطوا بقراءة القرآن، وفي البداية كان القارئ يقول المقام فقط ويترك الفرقة المرافقة له لتغني البستة وهي الأغنية المصاحبة للمقام العراقي مثل "ربيتك صغيرون" أو "جلجل عليه الرمان". تستعمل الفرقة الموسيقية، والتي تسمى بـ الجالغي، آلات مخصصة لهذا النوع مثل الجوزة وهي آلة وترية مصنوعة من جوز الهند لها أربعة أوتار، تقترب من الكمان لكن تحمل على الرجل، أو السنطور وهي آلة قديمة ترجع للعصر البابلي ظهرت باحتفالات الملك نبوخذ نصر، هذا وتم لاحقًا إدخال الآلات الشرقية مثل العود والقانون.
في دراسة قدمها المطرب والباحث حسين الأعظمي عن الحداثة في المقام العراقي، يتحدث عن محمد القبانجي الذي يعتبر رائد هذا النوع خلال القرن العشرين، عند بداية خروج الإسطوانات والتسجيلات والتطور التقني، حيث انتشر الاستماع وتسجيل الموسيقى في العقد الثالث من هذا القرن بالعراق. وقد سجل القبانجي مجموعة من الأسطوانات بين مصر وألمانيا، ووثق 48 مقامًا بصوته واشتهر ببراعته بالأداء، بالإضافة إلى التحديث عبر إدخال نغمات جديدة على كل مقام، واختلف عن أسلوب رشيد القندرجي الذي سبقه في القرن التاسع عشر.
عند منتصف القرن العشرين كان مقاهي بغداد عامرة بالقراء، وانتشرت المجالس الطربية التي تحولت فيها الأصوات البشرية إلى آلات موسيقية تخرج مختلف أنواع النغمات من عمق الروح. انتقل المقام العراقي مع القارئ يوسف عمر إلى الإذاعة حيث أحيا أولى حفلاته في الخمسينيات، وكان يجيد أداءه بالطريقتين القديمة والحديثة متأثرًا بالقبانجي، كما أن صوته العذب وطبقاته الرخيمة ساعدته على الغناء بأداء عالي.
ظهر اسم ناظم الغزالي الذي ساعده صوته وقدراته العالية على غناء المقامات، كما أن حنجرته أجادت الانتقال بين النوتات بسلاسة لا توصف. نقل ناظم هذا النوع إلى الدول العربية ولم يتمسك بالشكل التقليدي حيث عرفت مسيرته بالمزيد من التجديد، وغنّى اللهجة العامية والفصحى كما أعاد إلى الواجهة مقامات لم تكن سائدة وقتها مثل الركباني والحكيمي.
أمّا بالنسبة للأصوات النسائية، عرفت هذه الفترة خروج مجموعة من الأسماء التي ساهمت بالاغنية البغدادية والعراقية، كما كانت لهن تجارب مع البستة من المقام العراقي في البداية مثل صديقة الملاية التي قدمت بستة "ربيتك صغيرون"، وفتحت باب التجريب النسوي للمغنيات القادمات بعدها، لتوالي الأصوات البارزة مع سليمة مراد وسلطانة يوسف وزهور حسين. مع فترة السبعينات بدأت المطربة مائدة نزهت بالتجريب مع المقام وجابت العالم مع فرقة الموسيقي منير بشير حاملةً هذا الإرث كما سجلته ووثقته في الإذاعة والتلفزيون، وتعتبر من الأصوات الرائدة في هذا النوع الغنائي.
المصادر:
مؤسسة التوثيق والبحث في الموسيقى العربية
كتاب غناء المقام العراقي بأصوات النساء (حسين إسماعيل الأعظمي)