فاجأنا مروان بابلو في إصداره الأحدث "إنحراف" ، ليس باستعماله لموسيقى الريج فقط، ولكن بمزج الألبوم بين الريج كجنرا جديدة يدخلها بابلو، والثيمة البصرية السوداوية المرافقة لفيديوهات الألبوم، ليستوعبهما سويًا، مُخرجًا نسخة شديدة الخصوصية منه.
نجح بابلو في إيصال حالة من الجدية لجمهوره، حيث يشعرون بأن المشروع قد صمم بمنتهى التركيز، كل جزء بصري مرتبط بفيرس أو بار، لذلك قررنا أن نغوص في أربع عناصر تجعل من "انحراف" تجربة بارزة في عام 2025.
دسات دقيقة وضربات مباشرة
لم يلوح بابلو بكلمات كطلقات طائشة في الهواء، فباراته مُركزة وتصيب في الصميم؛ في جمل مثل: "كان لازم اديكم على عينكم عشان تفوقوا من التفخيد"، "ما تعمليش ابو عريضة انا لسة لعبي على نضيف"، "نرجعوا القرد لجرابه"، التي سرعان ما انشغل السين بتفسيرها وتخمين المقصود فيها. كلها لكمات مباشرة شديدة التفصيل، مع حالة تأهب واضح يفرضها بتكراره لبار "لسة بلعب على نضيف" الذي نذر بأن هناك المزيد لديه من اللعب الغير نظيف إن قرر خصمه الرد.
يقدم بابلو ردود أفعال في باراته، وكأنه قرر الرد على تراكمات في علاقاته داخل مشهد الهيب هوب المصري. لربما كان المأخذ الوحيد على اسلوب كتابة الكلمات لديه مؤخرًا، هو التكرار في الثيمات ذاتها، لتتمحور حول التفاخر والتهديدات، ونبرة التحدي ذاتها كل مرة في بارات حول تفوقه.
تعبيرات سوداوية تغذّي البُعد النفسي
يستعمل بابلو أيضًا تعبيرات قاسية لم يقدمها كثيرًا من قبل، تمثل رحلة نفسية مضطربة وسوداوية، وترسم بيرسونا فنية لها جانب مظلم وذكي قد تكون مؤذية لو قررت الرد عليها، يظهر ذلك في بارات مثل "بابلو يصدر فرمان/ هنعدموهم حرقًا"، و"كنا نشرب سم فران"، و "لساني بينقّط فينوم/ جوا الحفرة أنا أردمه"، أو سمبلته لجملة فريد الديب المحامي السياسي المثير للجدل بقوله "ما هقولك ازاي” كآد-ليبس وسط البارات في تراك “Aura” .
يبروز بابلو هذه البيرسونا مع نهاية المشروع بكليب "لماذا" حين ينظر للكاميرا، وهو مرهق، يبتسم ابتسامة صفراء لأخصامه، ويقول: "بالله عليك متشخصنهاش… مش دلوقتي"، كتحذير مبطن.
كليبات اليوم الواحد
نجح بابلو والمخرج أبانوب رمسيس في تحويل يوم تصوير واحد إلى أربعة كليبات داخل عالم بصري موحّد، قاتم ومليء بالتوتر، وسط دخان وأقنعة غاز وسيارات كلاسيكية. وقدم بابلو أداء جسديًا وتعبيريًا قويًا حتى داخل مساحات حركة ضيّقة، وتحت بؤرة ضوء نيون مركزة مذيلة بأسلاك كهرباء.
ظهر كنسخ متعددة من نفسه بتعبيرات متباينة – بين الغضب، الحزن، واللا مبالاة – وكأننا أمام شظايا شخصية واحدة تتصارع في مشهد مستمر، كما حافظ رمسيس على بابلو كمركز بصري من خلال زوايا الكاميرا، واللعب بالضوء والظل، مع وجود تهديد دائم في ركن الكادر، يتمثل في كيانات مشوشة أو ظلال تراقب، تخلق شعور بعدم الأمان يوصل للمشاهد دون أن يكون جزء من السردية الغنائية.
تجربة جديدة مع حمادة بوي
يأخذنا المنتج الموسيقي حمادة بوي تدريجيًا لمستويات متصاعدة ومتباينة من موسيقى الريج راب. "بونو" أتت بتمبو هادىء مع الكثير من التشويش، والتداخل الصوتي بين اللحن وصوت بابلو خاصة في الانتقالات. تبعتها "غنيمة" بمزج بين الريج والجوثيك تراب، مضيفًا طابعًا سوداويًا، بانتقالات درامية عن طريق استعمال توزيع الآلات النفخية النحاسية بالخلفية، مع بايس 808 غليظ ووتريات جيتار مشوشة، ويلعب إيقاع بابلو الغنائي دورًا مهمًا كجزء من هذا اللحن. بينما مالت "لماذا"، الفصل الأخير من التجربة، للاتجاه السايكيديليك.
تواجه جنرا الريج انتقادات أحيانًا بأنها جنرا نمطية، أو أن التطوير فيها محدود، وأن المنتجين الموسيقيين يتعاملون معها بكسل. لكن في "انحراف"، يحول بابلو الريج لمادة خصبة، ووظفها في توسيع مجاله، ليس فقط كصوت جديد، لكن في إيصال بُعد درامي بصري ونفسي مختلف. وفيما كنا قد سمعناها سابقًا في مشاريع في السين المصري مثل "بغيظ" و"لا أمان" لزياد ظاظا وألبوم "جدول الضرب" لويجز، من المتوقع أن نشهد المزيد من الإصدارات المحلية ضمن هذه الجنرا مع النجاح الكبير عالميًا لألبوم "I Am Music" لبلاي بوي كارتي الصادر الشهر الماضي.