في فترة الثمانينات والتسعينيات، كان الشاب حسني هو الصوت الذي أسَرَ الجزائر وبلاد المغرب. عاش في مسقط رأسه بمدينة وهران، حيث رفض مغادرتها رغم الشهرة الكبيرة التي حققها. أسهم في صناعة أكثر من 150 كاسيت، معيدًا تعريف الموجة الجديدة للراي، وكان رائدًا في تقديم الراي العاطفي مما جعله يُلقب بـ "ملك الأغنية العاطفية"، ليصبح أحد أبرز الأسماء في الموسيقى الجزائرية والمنطقة.
رغم وفاته المبكرة سنة 1994 عن عمر لا يتجاوز الـ 26 عامًا، بقي إرث حسني حيًا لسنوات طويلة. ظل صوته حاضرًا في أغاني الفنانين والرابرز في المشهد المغاربي من الجزائر إلى تونس والمغرب، فكل عام كانت تُقدّم له التحيات في أغاني واستعادات، ليظل تأثيره حيًا في وجدانهم. ومع بداية موجة الراي-آند-بي في بداية الألفية، كانت أغنية "Partir Loin" مع 113 ورضا الطلياني شاهدًا على استمرار تأثيره في دمج الراي مع الأنماط الموسيقية الحديثة.
لكن حضور حسني لم يتوقف عند هذا الحد، فقد كان أيضًا جزءًا من موجة الهيب هوب في العقد الثاني من الألفية، مع ظهور موجة التراي. استلهم الشباب من أسلوبه الغنائي والتلاوين الصوتية، كما استعانوا بثيمات اللوعة والهجر والفقدان، بالإضافة إلى سمبلة أشهر أغانيه من "صبرت وطال عذابي" إلى "مابقات محبة". نستعرض في هذه القائمة أبرز هذه الإصدارات التي احتفت بصوت وإرثه ومسيرته المؤثرة.
سولكينغ - حياتي
في ألبومه الثاني "فينتاج" سنة 2020، ظهر سولكينغ على الغلاف وخلفه صور أيقونية من عوالم موسيقية مختلفة، من الشاب حسني إلى توباك وبوب مارلي، وكأنه يعلن عن جذوره وتأثيراته بصريًا قبل أن يفعل ذلك موسيقيًا. في تراك "حياتي"، صرّح بفخر: "أنا أسطورة مثل الشاب حسني". وفي "بامبينا"، تباهى بقدرته على التأثير العاطفي، تمامًا كما يفعل حسني، مستخدمًا سامبل من صوت السنث المميز في أغانيه.
دائمًا ما يشعرنا سولكينغ بأن لكل أغنية بصمتها الخاصة، لكن تأثير حسني يظل ثابتًا في الخلفية في أغلب إصداراته. في إحدى مقابلاته، لم يخفِ إعجابه العميق به واصفًا إياه بقدوته، مشيرًا إلى عبقريته في الكتابة والتلحين والعزف، ومؤكدًا أنه مرجع أساسي له سواء في صوته أو في استلهامه المستمر من الموسيقى الجزائرية.
دراغانوف - عدابي
في كل مرة يُسأل فيها دراغانوف عن علاقته بالموسيقى، تعود به الذاكرة إلى فترة التسعينيات في مدينته وجدة بالمغرب، ويذكر تحديدًا بائع الكاسيتات الذي كان يمدّه بإصدارات الراي، وخاصة أغاني الشاب حسني. هذه الذكريات تتجسد في أغنيته "عدابي"، حيث يقول: "الشاب حسني في فينيل" في إشارة إلى النوستالجيا التي تربطه دومًا بهذا الفنان الراحل.
ورغم أن إيقاعات الأغنية تبدو جافة وثقيلة، فإن جُمل الكيبورد الدافئة فيها مستوحاة من موسيقى الراي، كما أن ثيمة العذاب ترتبط بمواضيع الراي العاطفي الذي أسسه له حسني خلال الثمانينيات. حققت "عدابي" نجاحًا كبيرًا، حيث دخلت قائمة هوت 100، ولا تزال حاضرة رغم صدورها عام 2023.
عصام - حسني
منذ بداياته، أعاد عصام إحياء صدى الشاب حسني في موسيقاه، كأن صوته امتداد حديث لعصر الراي الذهبي. في 2017، أطلق تراك "حسني"، مستعينًا بسامبل من أغنية "ندبر راسي"، متفاخرًا بأن موسيقاه استمرارٌ لإرث حسني. لكنه لم يكتفِ بالتأثر، بل صكّ في 2019 مصطلح تراي في تراك "ماكاينش زهر"، الجنرا التي جمعت بين التراب والراي، فاتحةً له الباب للتنقيب أعمق في موسيقى حسني. لم يكن التراي مجرد تجربة، بل هوية واضحة مع استعادات لحنية من الراي القديم، وعينات من أغاني الشاب حسني وغيره، بالإضافة إلى أوتوتيون المشبع وخطوط سنث تستحضر الأورغات الشعبية. وقد بلغ هذا الامتداد ذروته في "كافيار"، حيث استخدم سامبل من "مابقات محبة"، ليؤكد أن صوت حسني ينبض داخل موسيقاه.
سمارا - بارادايز
تنتشر بشكل كبير مقاطع غير رسمية تجمع بين سمارا و الشاب حسني على الإنترنت، ويعود السبب في ذلك إلى التشابه الواضح بينهما في نبرة الشجن والمشاعر التي تعكسها أغانيهما، خاصة تلك التي تتناول موضوعات الغربة والآلام. هذه الثيمات المشتركة تجعل المستمعين يربطون بين صوتيهما وأسلوبهما في التعبير عن المشاعر العميقة.
يذكر سمارا حسني في أكثر من أغنية منها "بارادايز"، التي يقول فيها "وأنا في بيتي نقعد نسمع في حسني". وفي "12 mois" سنة 2021، يشير إلى تأثيره المباشر في حياته الموسيقية، قائلاً: "كيما حسني Souvenir", حيث يؤكد أنه سيترك ذكرى موسيقية مثلما فعل حسني في الموسيقى الجزائرية. ولكن، في "فرونتيار" عام 2023، يعبّر عن رغبته في التفرّد والابتعاد عن التقليد، قائلاً: "Et je suis Samara pas Hasni" ويعني: "أنا سمارا ولست حسني".
ديدين كانون - كذابة
في ذكرى وفاة الشاب حسني في 29 ديسمبر/ كانون الأول 2024، قرر ديدين كانون تكريمه بطريقة خاصة، حيث أطلق أغنيته "كدابة" التي حملت صورة حسني على الغلاف كتحية لروحه. بدأ ديدين تراك "كذابة" باستخدام سامبل من واحدة من أكثر أغاني حسني شهرة وعاطفية: "شوفو عشقها مادار فيا"، في خطوة كانت بمثابة تقدير عميق لإرث حسني الفني. هي رسالة من ديدين، الشاب الذي نشأ في المشهد الجزائري، لإظهار احترامه وامتنانه للموسيقى التي قدمها حسني وأثرت في الأجيال التي جاء بعدها، لتظل أغانيه خالدة في الذاكرة الجزائرية.