عندما أعلن الفنان المغاربي-البلجيكي دِستِنكت عن ألبومه الثالث عبر إطلاق أولى أغنياته بالتعاون مع النجم العالمي فرينش مونتانا، لم يكن ذلك مجرد إنجاز جديد في مسيرته، بل كان لحظة إعلان عن انتقاله لمشهد عالمي أوسع.
صدرت أغنية "يا بابا" في 18 أبريل 2025، لتسجل لقاءً حيًّا بين اللغات والهويات والموسيقى العابرة للحدود، كما أنها تمثل نقطة التقاء بين قصتين من قصص الشتات؛ إذ وُلد فرينش مونتانا في مدينة الدار البيضاء المغاربية ونشأ في حي برونكس بنيويورك، بينما ينحدر دِستِنكت بدوره من نفس المدينة الساحلية، رغم ولادته ونشأته في بلجيكا.
على مدار عقد من الزمن، رسّخ فرينش مونتانا حضوره في مشهد الهيب هوب والبوب الأمريكي مع أكثر من 18 أغنية دخلت قوائم بيلبورد، من بينها "Unforgettable" و"Pop That". غير أن ظهوره في "يا بابا" حمل طابعًا خاصًا؛ إذ يغني بالدارجة المغاربية للمرة الأولى، في لحظة تُمثل عودة رمزية إلى جذور لم ينقطع عنها رغم مغادرتها بعمر الثالثة عشرة.
أما بالنسبة لدِستِنكت، فالتعاون مع نجم عالمي بحجم فرينش مونتانا هو علامة على تصاعد حضوره عالميًا، وتأكيد على موقعه البارز في الساحة العالمية.
صُوّر فيديو كليب "يا بابا" في المغرب، وجاء مزيجًا بصريًا بين الاحتفال والواقعية: أطفال يلعبون في الأزقة، شيوخ يحتسون الشاي، وصخب الحياة اليومية. بين هذه المشاهد، تمتزج الإيقاعات المغاربية ونفحات البوب الأفريقية، وتتن الكلمات بسلاسة بين الإنجليزية والدارجة المغاربية.
في أحد المقاطع، يغني ديستنكت: "More money, more problems, يا حبيبي"، مستحضرًا واحدة من أشهر العبارات في تاريخ الهيب هوب، ليعبر عن مفارقة النجاح وثقله العاطفي عبر الأجيال، لكن بسياق عربي ونكهة عصرية.
لكن الوصول إلى هذه اللحظة لم يكن طريقًا مفروشًا بالورود.
دِستِنكت، الذي نشأ وسط عائلة مغاربية مهاجرة، كان غارقًا منذ طفولته في أجواء الموسيقى العربية، كما وثقت "بيلبورد عربية" في قصة غلافها عنه. غير أن انطلاقته الأولى كانت عبر أغانٍ باللغة الهولندية قبل أن يجد صوته الحقيقي بالعربية.
وجاء ألبوم LAYALI عام 2023 ليكرس المعادلة. فقد تخطى الألبوم حاجز 500 مليون استماع، وأطلق جولة عالمية كاملة بيعت جميع تذاكرها.
بأغانٍ مثل "Tek Tek" مع MHD و"Y Dor" مع Soolking، رسم دِستِنكت لنفسه موقعًا وسط موجة الأفروبوب العربي الصاعدة.
كما أن نجاحه الساحق بأغنية "La"، التي اعتلت صدارة قائمة "هوت 100" لـ"بيلبورد عربية"، وأغنية "Wala 5,7,10"، رسخ مكانته كأحد أبرز النجوم، ووضعه في المرتبة الثانية على قائمة "فنانين 100".ولم يكن النجاح حكرًا على المنصات العربية؛ فقد تجاوزت أغنيته "Spider" مع GIMS الفرنسي 200 مليون استماع، مع تحقيق عدة شهادات ألماسية، بفضل مرونته في التنقل بين اللهجات العربية، من الدارجة إلى الخليجية، ومن قارة إلى أخرى.
في المقابل، يشكل مشوار فرينش مونتانا نموذجًا مختلفًا لرحلة الشتات: مسيرة بدأت بالاندماج في الثقافة الأمريكية قبل أن تلتفت إلى الجذور العربية. ومع "يا بابا"، يكتب دِستِنكت حكاية جديدة؛ حكاية لا تتنازل عن الأصالة في سبيل العالمية، بل تفرضها بشروطها الخاصة، فيما يلتقيه فرينش مونتانا عند نقطة التقاطع.
في زمن تتلاشى فيه الحدود أمام الموسيقى، يأتي هذا التعاون ليؤكد أنه أكثر من "تلاقي بين نجمين" بل هوية صادقة قادرة على عبور اللغات والقارات. وبين فرينش مونتانا الذي يغني بالدارجة للمرة الأولى، ودِستِنكت الذي ينقل الموسيقى العربية بين اللغات والمنصات، تتحول "يا بابا" إلى رمز لهذه اللحظة الجديدة: لحظة لا يُطلب فيها من الفنانين الاختيار بين المحلية والعالمية، بل أن يكونوا الإثنين معًا.