اختيارات فريق بيلبورد عربية: ألبومات هيب هوب مفضلة من 2024

شهد العام 2024، وخاصة في نصفه الثاني، انتعاشة في مشهد الهيب هوب بكافة ألوانه وجنراته الفرعية وتطوراتها ونسخها التجريبية. عرفت مصر وبلدان المغرب العربي خاصة كثافةً إنتاجية كبيرة معتادة، فيما برزت في الخليج وبلاد الشام تجارب شابة مجددة ومشوقة. ورغم أننا شهدنا العديد من الإصدارات المنفردة المميزة طوال العام، والتي سنفرد لها مساحة مختلفة في وقت آخر، إلا أن الألبومات الطويلة والقصيرة قد تألقت بشكل خاص، وقد بنيت معظمها بثيمات ومفاهيم، وكشفت عن موسيقيين لهم رؤى متكاملة. استطاعت العديد من هذه الألبومات تحقيق إنجازات غير متوقعة على قوائم بيلبورد عربية سواء قائمة أعلى 50 هيب هوب عربي أو حتى القائمتين الرئيسيتين هوت 100 و100 فنان. 

ولكن، بعيدًا عن الأرقام والبيانات التي نترك إحصاءها وتوثيقها للقوائم، اختارنا في الفريق التحريري لبيلبورد عربية أن نجمع لكم هذه القائمة التي تضم تفضيلاتنا الشخصية من هذا العام، كل بحسب ذوقه الخاص.

حمل ألبوم دادّا "صنع في المغرب" عصارة تجربة العيش في المغرب من التذوق الفني إلى المشاكل الحياتية اليومية، وكشف عن بلاغة دادّا بالكتابة والاستلهام من حضارة غنية. تعامل مع المنتج يان في كل تراكات الألبوم، حيث افتتح بأصوات كمنجة تقارب الموسيقى الشعبية المغربية، وأظهر باراته المستوحاة من عمق الحياة اليومية. 

تميز الألبوم بتعاونات بارزة، مثل تراك "صنع في المغرب" مع دون بيغ الذي قدم سردية عن الحياة بحلوها ومرّها، و"212" مع ريتا كمال وناب فايك بأسلوب بلاغي ومؤثر. حملت تراكات مثل "عادي جدًا" و"حلمة" طابعًا شخصيًا فلسفيًا، بينما أظهرت "سويتشي" أداء دادّا الصوتي القوي. دخل دادا مع هذا الألبوم قائمة بيلبورد عربية هوت 100 لأول مرة، ما دل على نجاحه وإقبال الجمهور عليه، مع جودة إنتاجية عالية وسردية ترتبط بجوانب اجتماعية وثقافية واقتصادية متنوعة.

قدم ألبوم "حب وكاشات" تجربة فريدة تجمع بين أبيوسف ومروان بابلو في تعاون طال انتظاره من جمهور الهيب هوب المصري. ضمَّ الألبوم خمس تراكات تعكس مزيجًا من الأساليب والتقنيات التي أبرزت تناغم الثنائي بعيدًا عن الاستعراض المبالغ فيه، رغم حضور ثيمة التبجح إلا أنها لم تكن جوهر الألبوم. 

أنتج هادي معمّر أربع تراكات من الألبوم مثل "توتو" و"ديفا"، وهو التراك الافتتاحي الذي اعتمد على إيقاع جيرزي كلوب الذي انتشر هذا العام في استوديوهات المنتجين في المشهد المصري. أما عمر طايع فقد أنتج تراكًا واحدًا هو "سماك ذات"، الذي شهد تبادلًا قويًا بين أبيوسف وبابلو مع قوافٍ معقدة وفلوهات متنوعة، بالإضافة إلى بارات حملت دسّات صادمة وواضحة في بعض الأحيان.

قدم ليجي-سي في ألبومه الطويل الأول "بلاسيبو" تجربة موسيقية متكاملة تعكس رحلة ذاتية غنية بالتأملات والصراعات. يروي الألبوم على مدار فصوله الثلاثة قصة شخص يعتقد أنه وجد الحل لكل همومه في دواء وهمي قبل أن يكتشف الحقيقة. 

يمزج ليجي-سي بين أساليب إنتاج موسيقية متنوعة تمتد من الموسيقى الإلكترونية إلى إيقاعات الشعبي مثل المقسوم مع توظيف تقنيات التشويش وتأثيرات الصدى والتأخير، مما يخلق طبقات صوتية غنية تعزز من عمق السرد. يكشف الألبوم عن نضج واضح في كتابة الكلمات واستعارات مستوحاة من ثقافة البوب، إلى جانب تنويع موسيقي يعكس حرية إبداعية جديدة، وقد تم إنتاج الألبوم بتحالف بين شركة تكوين وBADINVSTMNT.

بعد نجاح ألبوم "27" وظهوره في قوائم بيلبورد عربية، اختتم إل غراندي طوطو عام 2024 بإطلاق ميكستايب "سالجوت"، وهو عمل مفاجئ اختار اسمه ليعكس الانتقادات التي واجهها طوال مسيرته، ويعيد تقديمها كعنصر مركزي ضمن ثيمات الألبوم. 

جاءت الأغاني الـ 16 لتشكل لوحة معجمية متنوعة، تسلط الضوء على رحلته الفنية منذ عام 2017 حتى اليوم، وتروي تفاصيل رحلته من البدايات البسيطة إلى ترسيخ مكانته في المشهد. اتخذ طوطو من "سالجوت" مساحة لتوثيق علاقته مع السين المغربي، ولم يغفل الألبوم عن تناول قضايا اجتماعية، مثل المهاجرين والحراقة. 

أما الجانب الشخصي، فقد برز عبر تراك "بوهالي" الذي كتبه لزوجته، مقدمًا قصة حب مفعمة بالعاطفة، شَبّهها بعلاقة قيس وليلى. تظهر براعة طوطو في استخدام الفلوهات والأوتوتيون، حيث جاءت مدروسة بعناية لتتناسب مع كل تراك، مما جعل "سالجوت" ليس مجرد ميكستايب عادي، بل تجربة فنية شاملة تعكس تطور طوطو الإبداعي وقدرته على الجمع بين الجانب الشخصي والاجتماعي بأسلوب موسيقي متقن.

بعد عامين على آخر ألبوم قصير له "جالا"، عاد المورفين ليقدم نسخة متبجحة منه، تنوع في الفلوهات بين السريع والبطيء، والنبو سكول والأولد سكول. بينما يتطرق الوورد بلاي عبر مفردات وتركيبات قوية لما يدور برأسه بالتوازي مع الأزمات الشخصية والتشتت والأحداث الجارية التي أثرت على العالم هذا العام مثل القضية الفلسطينية التي يمركز لها تراك "دخانة". يتماس أيضًا الألبوم مع ثيمة الذكرى؛ ذكرى الأماكن والمشاهدات والألعاب، ليتحدث المورفين عن كل هذا وأكثر عبر معالجات فلسفية عميقة وجذابة في آن واحد.

جزء كبير منا كمستمعين يدرك أنه يستمع لظاظا من أجل لهجته الزاعقة اللاذعة، وهو ما يجعل من جرعة الهدوء المتأمل التي يضعها في ألبومه القصير الأخير عملًا مختلفًا ومميزًا. يخرج ظاظا في تراكات هذا الألبوم من مساحة التفاخر للتركيز على مخاوف القادم من الحياة، مع لمسة من لمسات الرضا عن المبذول. 

تتحرك البارات مع الفلو والإنتاج الموسيقي بانسيابية شديدة، مع التركيز على الذبذبات والمؤثرات الصوتية الالكترونية التي تقدم حالة من اليوفوريا الممتدة حتى نهاية العام، كسجل لما حدث في السنة، تسمعه مع نهاية العام متأملًا بالسماء. وبالطبع فإن بعض البارات الواردة مثل "من أيام العدد الصيني" أو "المكن النحل" و"اللبس السكيني" الواردة في تراك "نترقّى"، تشعر المستمع بالألفة لصور ما قبل ظهور موجة الهيب هوب بقوة، وبأنه جزء من هذه الحركة قبل ميلادها، وليس مجرد مستمع جديد.

المشروع المعني بالتجارب الثقافية والموسيقية بمنطقة شمال إفريقيا يقدم تجربة مميزة يمكن تلخيصها في نقطة المزيج، مزيج الجنرات والجنرات الفرعية، مزيج اللهجات المختلفة، مزيج نبرات الصوت بين الأنثوي والذكوري، ومزيج الفلوهات القادمة من مرجعيات مختلفة من الغناء والموسيقى الشعبية. حتى السمبلة الغربية الكاملة وسط هذه الأمزجة، تبرز مساحة إدراك التفاصيل المختلفة بشكل أكبر، وتأثير الانتقالات الصوتية والإيقاعية المصنوعة بدقة، وهو ما يجعلها تجربة لذيذة موسيقيًا. بالإضافة إلى أن كل ما سبق يفتح المساحة للتفكير فيما هو قادم من تعاونات أوسع بين ألوان الهيب هوب العربية المختلفة.

يأخذنا أحد مؤسسي مجموعة المكسيك في جولة "معشوأة" داخل دماغه، القالب الأساسي لها والثيمة الخاصة بها هي مسيرة محمد منير من شبابه لمرحلة ما بعد الأسطورة، وعالم محليات كرة القدم ما قبل 2015. الألبوم القصير يحمل طابعًا نفسيًا يذكرنا بإصدارات 2019، مع استعادات لبداية مسيرة أبو الأنوار. أما في تراك "إسعاد يونس" يتشارك الثلاثي أبيوسف وسانتا وأبو الأنوار الأداء في باراتهم المتداخلة وأسلوبهم المميز المعتمد على دِس ما وراء الكواليس المثير.

ألبومات من اختيار مها النبوي

يمثل ألبوم "PRJKTBLUBEAM" أو "مشروع الشعاع الأزرق" لمروان بابلو خطوة جريئة نحو منطقة مجهولة، حيث يُظهر استعداده لمواصلة التجريب في الصوت وتعديل الجنرا. عبر إنتاج لوشا، يتبنى بابلو في ألبومه لوحة صوتية مستقبلية متعددة الطبقات تدفع حدود أعماله السابقة. 

بناءً على التجريب الذي استكشفه في تعاونهما السابق، في تراك "الأربع"، يأخذ "مشروع الشعاع الأزرق" هذه الابتكارات إلى أبعد من ذلك، ويقدم مشهدًا صوتيًا غير متوقع. تجسد أغاني مثل "Deja Vu" هذا التطور الإبداعي، حيث يمزج الفلو الكلامي مع إيقاعات مشوشة متقطّعة، وأنسجة لو-فاي، وسنثات مجزأة، لتقديم تراك يمكنه الصمود على حلبة الرقص، بينما يدعو مستمعه إلى واقع هيب هوب تجريبي.

صدر الألبوم القصير "نحس" ليجمع موهبتين من مشهدي راب ولهجتين مختلفتين هما سابين سلامة وما-بين، في تجربة مشتركة للمرة الأولى. ضم الإصدار ثلاث تراكات "هوا" و"حرك" و"أرض" اشتركتا بكتابتهما وأدائهما وقام بإنتاجها شلطف بأسلوب تجريبي، فيما عمل كبارة على تنفيذ الميكسينغ والماسترينغ.

أطلقت سابين وما-بين كليب خاص لأغنية "هوا" من إخراج أبو الوفا، تصوير الفيديو في شوارع وسط البلد بالقاهرة، حيث تناغمت المشاهد مع كلمات الأغنية التي حملت مطالب تتعلق بالموسيقى والفن، مثل الدعوة إلى مسرح مستقل وصوت عربي متين، ما عكس ارتباط هويتهما الفنية بجذورهما الثقافية.

 أصدر سولجا ألبومه الأول "ديجافو" الذي جاء بعد مسيرة قصيرة استمرت 4 سنوات أثبت فيها حضوره بقوة في المشهد السوداني والعربي. الألبوم الذي استغرق عامين من التحضير يضم 14 تراكًا، تعكس جميعها تطور شخصية سولجا الفنية، مستلهمًا من تجاربه وموسيقاه السودانية التي تربى عليه مثل الزنق، مع دمجها بأنماط معاصرة كالتراب والسنث، والموسيقى الإلكترونية. 

من أبرز التراكات "ديجافو" الذي يروي من خلاله حلمه بالشهرة، و"جبرا ڤو" الذي كان بمثابة تحية لمسقط رأسه، وتراك "الحقيقة" الذي جمع بين السنث والموسيقى الحية. كما تناول الألبوم موضوعات شخصية مثل العقبات والحب والتفاخر بإنجازاته، مما يعكس مزيجًا من النضج الفني والشخصي. تعاون سولجا مع منتجين مثل خياط وسويش و 77 ، ليقدم ألبوما نقيًا ومميزًا يعكس طموحه ورؤيته الفنية.

بعد سلسلة من الإصدارات الفردية، أطلقت ندى نادر أول ألبوم قصير لها بعنوان "ازيكو" الذي عكس حضورها القوي في مشهد الراب. يضم الألبوم خمسة تراكات، بينها تعاون وحيد مع ليلى بشارة في تراك "نار"، وهو التراك الوحيد الذي لم يُصور كفيديو كليب، على عكس الأربعة الآخرين الذين حرصت على إخراجهم لتجسيد رؤيتها الشخصية. 

يعكس الألبوم تجارب ندى الشخصية التي لم تخلو من الاعتزاز بالنفس، كما أبرزت تعدد مواهبها كونها ممثلة أيضًا. اللافت في الألبوم، إلى جانب الهوية البصرية المميزة التي أشرفت عليها بنفسها، هو تنوع الفلوهات واستعراضها مهاراتها اللغوية في الفوهات كما في تراك "حاجة زي كده". أما على صعيد الإنتاج الموسيقي، فقد تعاونت منتجين شباب مثل بادموود بي وفادي فريد، ومارسلينو ميوزك ليخرج ألبومها الأول بهذا الشكل الرائع. 

يعتبر ألبوم عفروتو "أفضل أغاني 2024” من أهم ألبومات السنة، فإلى جانب إحتوائه على بعض من تراكات برزت بقوة وحققت أرقام واستماعات ضخمة مثل "كبدة" و"ڤودو"، فإن الألبوم ككل قد تسبب بشكل مباشر أو غير مباشر في انتعاش انتعاش سين الهيب هوب المصري بعد مدة من الركود بعد إصداره تراك "منوّعات 2019" الذي استفز السين بأكمله اسمًا اسمًا. وفي الألبوم يفرد عفروتو عضلاته بين تجريب في الألحان والفلوهات، والذكاء في الذهاب والإياب بين استغلال عذوبة صوته ومهاراته اللغوية.

في مقابلة خاصة لبيلبورد عربية مع إل غراندي طوطو بدا تاثير عفروتو ممتدًا لما هو أبعد من السين المصري، حيث وضح طوطو أن عفروتو هو واحد من أكثر الرابرز الذين يتطلع للتعاون معهم، بعد أن تنافس الاسمان وتبادلا التهنئة على احتلال المراكز الأولى والثانية على قائمة أعلى 50 أغنية هيب هوب عربي.

حمل ألبوم ماد الأخير عنوانًا لاتينيًا يعني القدرة على إدراك الحياة من زوايا مختلفة. استكشف في هذا الألبوم عددًا من الثيمات الشخصية والمهنية، حيث تناول الفترة الصعبة التي مرّ بها ليخرج منها إنسانًا جديدًا. حمل الألبوم العديد من التعاونات البارزة، مثل تراك "لوكد آب" مع زامدان، الذي تحدث فيه ماد عن تجاربه الشخصية. كما تميز تراك "داوت" مع تشوبي بسردية سوداوية. أما التعاون المنتظر مع صنور، الذي أُعلن عنه لأول مرة في 2022، جاء بأسلوب مختلف مع تغيير في البيت ليعكس تطور أسلوب ماد.

مع صدور الألبوم دخل ماد للمرة الأولى إلى قائمة 100 فنان، محققًا المرتبة 13 مباشرةً في أسبوعه الأول، بفضل نسبة الاستماعات العالية التي حققها ألبومه. رغم تباين الآراء حول الألبوم والحديث عن خروجه عن إطار الهيب هوب التقليدي، حيث استكشف تأثيرات البوب والموسيقى الإلكترونية إلى جانب جنرات مثل اليو كي غاراج والتريب هوب، إلا أن "سنسوس" يشكل محطة فاصلة في مسيرته. ومن الجدير بالذكر أن الألبوم كان ثمرة عمل جماعي شارك فيه أكثر من عشرين منتج موسيقي، من بينهم اكسيب وكايت.

افتتح بلاكبي ألبومه المشترك مع رهمان عبر مشهد درامي مهيب، حيث يقف في بقعة الضوء على مسرح خالٍ، وتُحاصره عشرات الميكروفونات، ليُلقي خطابًا تشريفيًا، يختصر به رحلته في مشهد الراب السعودي التي امتدت لعشرة أعوام، ويتحدث عن نفسه كمُقاتل خاض العديد من المعارك، مع تعداد أسماء ألبوماته السابقة وصولًا إلى ألبومه السابع "فالهالا".

في ألبوم "فالهالا"، يبدو كل تراك احتفالًا جديدًا بعد البعث للحياة من جديد. يسرد بلاكبي في كل واحد منها حكاية من حكاياته كمُقاتل وصل لمرتبة الأساطير، وتُرافقه الموسيقى التي أنتجها رهمان لتُلائم الأجواء الأسطورية. في بعض التراكات يميل رهمان للاعتماد على الأصوات المحيطية لرسم أجواء مُهيبة ووقورة، تُلائم بوح الشهيد براب بطيء، وفي تراكات أخرى يعتمد على بيتات تكنو شديدة الإثارة، تُلائم أجواء الاحتفالات الليلية.

منذ سنوات وتجربة شب جديد والناظر في الراب هي الأصدق تعبيرًا عن الواقع السياسي والاجتماعي في بلاد الشام، مغلَفَةً بأسلوب إنتاج جذّاب متطور باستمرار ومتقدّم بخطوات عن المشهد بأكمله. ما بدأه الثنائي في ألبوم "سندباد الورد" عام 2019، ينقلانه إلى مساحة مختلفة كليًا في ألبوم "سلطان"، سواء على صعيد أسلوب الكتابة الذي انتقل إلى مساحة أكثر شخصية خاصة في تراكات مثل "فين الدوا" و"طوفان" و"تل أبيب" أو على مستوى الصوت وإيقاعاته التقليلية التي تدفع بأداء شب جديد دومًا نحو مساحة شديدة الاسترخاء إلى حد طريف في بعض الأحيان كما في "رد سريع"، عبر الإنتاج والميكسينغ الذي وضعه الناظر، وأحكم أطرافه الماسترينغ الذي نفّذته هبة قدري للألبوم.

بين الألبومين خمس سنوات ومساحة كبيرة من النضوج والتجريب، جعلت من "سلطان" مشروعًا منفصلًا يوضح أن ما يقدّمه الثنائي ليس بسلسلة، وإنما تجارب أكثر مركزية حيث يطلبان من المستمع ألا يتوقع منهما شيئًا أو يفرض عليهما أسلوبًا لا يدّعونه، بل أن يتأنى ويسمع ويعيد الاستماع أكثر من مرة حتى يصبح معهما على نفس الموجة.

كان الألبوم القصير "112" هذا العام من بين أبرز الألبومات التي جمعت الجرأة والعمق بالنجاح التجاري الكبير، وقد استطاع الألبوم بأكمله تحقيق أرقام غير متوقعة، واكتساح قائمتي هوت 100 و100 فنان لتحقيق مراتب لم ينافسها هذا العام سوى إل غراندي طوطو.

يحب بوز أن يتحدى نفسه في اختيار مواضيع جادة وغير مستهلكة للحديث عنها وتقديمها ضمن فلوهات جذّابة. يصعب أن تجد في تراكاته نبرة تبجح أو تفاخر، فـ "فيلسوف الراب المغربي" كما يحب فريقنا أن يسميه، منشغل في الحديث عن صعوبات الحياة، والاستلهام من ثقافته المحلية، واقتباس أفكار فوكو ونيتشه.

الحيوية والمكاشفات الصادقة هي الملامح الأساسية لألبوم "فلتة" الذي يبدو مدخلًا إلى عقلية متفردة في السين المصري وإن كانت جزءًا من جماعة. يتجلى ذلك بدءًا من صورة الغلاف حيث سانتا وحده يحدق بتحدي إلى الكاميرا وسط الزحمة التي يفتخر بانتماءه منها وتماهيه معها، وصولًا إلى تراكات التعاونات المختلفة التي تكمّل بعضها راسمة صورة موحدة الأسلوب، مع ليل بابا وأبو الأنوار وليجي سي واسماء أخرى أحدث عهدًا يجتمع بها في سايفر "Watch Dog".

المزيد من الحيوية والفكاهة تظهر في تراك "فلتة" الرئيسي من الألبوم، والوحيد الذي حظي بفيديو كليب، ليحظى ببصمة بصرية خاصة من إخراج محمد كريّم. تتمدد حدود الجنرا في هذا التراك، الذي تشعرك اللازمة فيه أنه بات يقترب من الهاردكور بانك، ولكن بأسلوب شديد الجاذبية يجعل التراك يرسخ في الرأس مباشرةً.