عندما عُرض الجزء الأول لمسلسل "Squid Game" قبل ثلاثة أعوام، استحوذ على اهتمام الجمهور حول العالم، فقد كانت فكرة المشاركة بألعاب طفولية زاهية الألوان يموت الخاسرين فيها، مُثيرة للاهتمام وحواس المشاهدين بحد ذاتها، ليُصبح المسلسل ظاهرة عالمية.
وقد كانت الموسيقى التصويرية في الجزء الأول واحدة من أبرز العوامل الجمالية التي ساهمت بنجاح العرض. الموسيقى التي وضعها جونغ جاي إيل، اعتمد بعضها على تبطىء ألحان أغاني الأطفال الكلاسيكية، لحرفها عن مسارها الأصلي، فتُعبّر عن مشاعر الترقب والخوف لدى اللاعبين، لتُترجم الموسيقى مشاعرهم. وتم تدعيم الموسيقى التصويرية بمقطوعات لشوبان وروسيني وغيرهم من مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية.
بين الموسم الأول والموسم الثاني لـ "Squid Game"
ورغم نجاح الجزء الأول الاستثنائي، لم يتوقع الكثيرون أن يُحقق الجزء الثاني نجاحًا مُشابهًا، فبنية المسلسل وإدراك هيكلية اللعبة ومعايشة آثارها النفسية مُسبقًا، على اللاعبين في الجزء الأول، ستؤثر بالتأكيد على تلقي الجزء الثاني. لكن الجزء الثاني من المسلسل جاء مُفاجئًا وانتقل بالجمهور إلى آفاق جديدة، لينتهي بعد أن تفوق بإثارته وحماسه على الجزء الأول.
بينما كان الجزء الأول يركز على بناء عالم اللعبة وتوطيد الأجواء المظلمة والمشوقة فيها، فإن الجزء الثاني لم ينغمس تمامًا بالأجواء القديمة، ولم يسعَ لبناء أجواء اللعبة ذاتها، إلا ليكسرها ويدمرها، فإعادة رسم المشاهد كان مجرد مقدمة، قبل أن تبدأ الأحداث الكبرى. غيّرت هذه الأحداث في بنية الدراما بشكل جذري، حين يقوم اللاعبين بسرقة أسلحة مشغلي اللعبة، ليختتم المسلسل بانفجار من التوتر والثورة ضد مشغلي اللعبة. في هذا السياق، نجد أن التغييرات الموسيقية كانت جزءًا لا يتجزأ من هذا التحول في أسلوب الإخراج، إذ ساهمت في إضفاء مزيد من الحيوية والإثارة على الأحداث، مع تعزيز الطابع الثوري الذي هيمن على الموسم الثاني.
في الجزء الثاني، كانت الموسيقى أكثر حيوية وأكثر حداثة مقارنة بالجزء الأول. هذا التغيير في الألحان لم يكن مجرد مسعى لتجديد الأسلوب فحسب، بل كان أداة لتمثيل التحول الجوهري في الحبكة والشخصيات. على سبيل المثال، تم استخدام أغنية كوفر سريع قدمته الفنانة الكورية جو وون لأغنية "Fly Me to the Moon"، وذلك في ختام جولة اللعب الأولى، التي يحاول فيها اللاعبون العبور في ساحة ضخمة دون أن تشاهدهم الدمية العملاقة، التي تحولت لرمز للمسلسل.
مشاهد رئيسية مكررة
المشهد الذي يُعتبر من المشاهد المكررة بالجزأين الأول والثاني، اختلفت فيه الموسيقى بحسب آلية توظيفها؛ ففي الجزء الأول استخدمت موسيقى كلاسيكية لتشحن الأجواء بالخوف والتشويق. أما الموسيقى التي استخدمت بالجزء الثاني، فهي معاصرة ومليئة بالطاقة، تمنح المشهد طابعًا أكثر معاصرة، ليواكب هذا التحول حماسة المتابعين، التي قد تنخفض إذا ما سار المشهد على ذات الإيقاع البطيء الذي كان معتمدًا في الجزء الماضي. لذلك فقد تم تحديد السرعة وشكل الموسيقى بما يتناسب مع شكل التلقي الذي اختلف كليًا.
وعلى عكس الموسم الأول الذي كان يعتمد على الموسيقى الكئيبة والغامضة لتعزيز شعور اليأس والترقب، كان الجزء الثاني يميل إلى اختيارات موسيقية سريعة وحيوية تعكس هذا التغير الثوري في القصة؛ الذي يصل لذروته عند تمرد اللاعبين، ويُصبح من بعدها إيقاع المسلسل أكثر حيوية وإثارة.
توظيف أغاني الأطفال من كوريا الجنوبية
لكن الموسيقى الأكثر جاذبية في الجزء الثاني من المسلسل، هي تلك التي تم استخدامها في الألعاب المميتة، والتي تأخذ مرجعيتها من أغاني الأطفال في كوريا الجنوبية، وتم المحافظة فيها على الطابع الطفولي الأصلي، دون إجراء تحويرات عليها على غرار ما حدث في الجزء الأول، لتكبر المفارقة ما بين الصوت والصورة، وتجعل المشهد أكثر عبثية.
تم الاعتماد بشكل كبير على شخصية "ثانوس" التي قدمها نجم الكي-بوب توب، لسد الفجوة؛ حيث كان يتفاعل مع حيوية الموسيقى بأسلوب مختلف بعد تعاطيه الممنوعات، ليُعزز الشرخ بين عناصر المشهد، ويزيد من جماليته. ويمكن تلخيص ذلك بمشهد لعبة الأحصنة الدوارة، الذي اعتمدته نتفليكس كفيديو ترويجي للمسلسل، والذي استُخدم فيه أغنية "Round and Round"، ورقص عليها "ثانوس" ورفيقه بطريقة طفولية، تتناقض مع تفاعل الآخرين، الذين يُسيطر الخوف من الموت على مشاعرهم. وسرعان ما تحولت أغنية "Round and Round"، لتكون الأغنية الأكثر استخدامًا على تيك توك منذ أن عُرض المسلسل.